حكومة دياب ورّطت نفسها بتَبنّيها ترْكة حكومة سقطت شعبياً
دعسة ناقصة في انطلاقة الحكومة الإنقاذيّة
بدأت الحكومة مسيرتَها، التي يفترض أن تكون إنقاذية، عرجاء بعد أن أطلّ الرئيس حسان دياب على مجلس النّواب لتَبنّي ترْكة الحكومة التي سقطت في الشارع، أي مشروع قانون موازنة العام ٢٠٢٠ الذي عُقدت الجلسة التشريعية لتهريبه على عجلة. وهذا الأمر شكّل سابقة هي الاولى من نوعها حيثُ حضرت الحكومة الجديدة غير كاملة الاوصاف الدستورية بشخص رئيسها أمام المجلس النيابي لمناقشة مشروع قانون موازنة لم تعدّها ولم تطّلع عليها، وقبل نيلها ثقة المجلس.
وما حصل في ملفّ قانون موازنة ٢٠٢٠ اثار عدداً من الشوائب والاشكالات الدستورية، بدايةً عندما أعرب رئيس الحكومة في مستهلّ الجلسة انّه «لأنّ الواقع استثنائي فإنّ الحكومة قبل نيلها الثقة لا يمكن لها أن تمثل مجتمعة أمام المجلس النيابي ولكنها لن تعرقل موازنة أعدتها الحكومة السابقة واكتملت إجراءاتها، وانطلاقاً من ذلك الحكومة تترك الأمر للمجلس النيابي». وفي السياق، ردّ رئيس الحكومة على نواب كتلة المستقبل بشأن ما إذا كان يتبنّى موازنة الحكومة السابقة، قائلا «لو لم نتبنى الموازنة لما حضرنا الجلسة اليوم»، ما فتح المجال لتسجيل سابقة تُعتمد فيما بعد استثناءً، اذ لا يمكن لحكومة تنطبق عليها صفة تصريف الأعمال، لعلّة عدم نيْلها الثّقة، أن تتخذ أي موقف أو قرار يلزم الدولة اللبنانية بأي التزام.
وعلى الرغم من قرار الحكومة المشاركة في جلسة مجلس النّواب بشخص رئيسها، من دون إبداء الرأي في مشروع الموازنة، ومن دون الدفاع عنها، بذريعة أنها لا تملك الصلاحية، الّا أنّه كان باستطاعتها أن تستردّ مشروع قانون موازنة بموجب المادّة ١٠٣ من النّظام الداخلي لمجلس النّواب، لإعادة النظر به وإدخال تعديلات عليه لجَعْله متوافقاً مع سياستها ورؤيتها الاقتصادية، او يُمكنها طلب إرجاء البحث في مشروع قانون الموازنة بموجب المادّة ١١١ من النّظام، فلا يتم مناقشة الموازنة قبل نيل الحكومة الثّقة.
ولكنّ الرئيس دياب انطلق بحكومته الإنقاذية بدعسة ناقصة كونه تبنّى تنفيذ سياسة ماليّة وموازنة تُشكلان امتداداً لنهج مالي – اقتصادي رفضه الشارع وأوصل البلاد إلى الانهيار، ووضع نفسه وحكومته في موقع المسؤوليّة عن السياسة التنفيذية والإنفاق من خلال موازنة لم تعدّها الحكومة الجديدة ولم تطّلع عليها، وذلك بموجب الإجازة التي منحها مجلس النّواب لمجلس الوزراء في قانون الموازنة.
ومثول الرئيس دياب وحيداً امام مجلس النواب وهو جالسٌ مكتوف الايدي اعطى انطباعاً سلبياً ينمّ عن ضعف الحكومة وموقع رئيسها في معادلة السلطة مقابل الرئاستين الأولى والثّانية، وسجّل نقطة سوداء في سجّل الحكومة لدى أوساط الانتفاضة واللبنانيّين عموماً، ما أصاب الحكومة ورئيسها بنزيفٍ إضافي في رصيدهما السياسيّ وتأييدهما الجماهيري.
وعلّقت أوساط في الطائفة السنّية على هذا المشهد بأنّ ما جرى هو محاولة مفضوحة لتكريس أعراف جديدة في البلد، وإمعانٌ في التفريط بصلاحيات رئاسة الحكومة، وذهبت الى حدّ القول بوفاة النظام السياسي القائم وانتهاء اتفاق الطائف لصالح معادلة سياسيّة جديدة الملامح قيد التبلور.
وفي الخلاصة، أنّ استدراج الحكومة الجديدة إلى جلسة تهريب الموازنة يعكس استمرار الفريق الذي صنع الحكومةَ العشرينية في النمط نفسه من الأداء الذي فجّر غضب الشارع بعدما أوصل البلاد إلى الهاوية. كما بدا واضحاً محاولة توريط وزير المال غازي وزني من خلال تعميم فذلكة الموازنة على انّه من أرسلها الى مجلس النّواب، لينفي الأخير ذلك وتبقى الأوراق الثلاث التي باتت في أيدي النواب لقيطة ومجهولة المصدر.
لم تتمكّن «حكومة انقاذ لبنان» أن تنقذ نفسها من فخّ استدراجها إلى جلسة تهريب الموازنة، فكيف لها أن تُنقذ لبنان؟!