أشعل اغتيال القيادي في “حزب الله” سمير القنطار أكثر من جدل. ودار الأول حول السؤال “ماذا يفعل في سوريا؟”، اذ كان السائلون، من غير اللبنانيين، يعتقدونه غارقاً في أنشطة “المقاومة” في الجنوب، وكان كثيرون منهم عبّروا عن اعجاب كبير به وتعاطف عميق معه بعدما قرأوا سيرته عن أعوام أسره في سجون العدو الاسرائيلي. لكن قلائل بينهم مَن تابعوا سيرته بعد تحريره، وهؤلاء صُدموا بآرائه في الشأن السوري، ثم بدوره في سوريا، اذ يصعب أن يستقيم في المنطق الانساني السليم أن يكون المرء عرف الى هذا الحدّ معنى الحرية وأن ينحاز الى هذا الحدّ ضد شعب كامل يريد التحرّر من الاستبداد.
كانت المقاومة الفلسطينية أرسلته في عملية فدائية، قبل 36 عاماً، وكانت المقاومة اللبنانية أخرجته من الأسر قبل 7 أعوام، لكنه عاد الى لبنان ليعود الى فلسطين، كما قال، ولذلك كان من الطبيعي أن يوجد في سوريا بحثاً عن طريق الى فلسطين، بعدما تعدّدت الطرق اليها، استناداً الى خطب السيد حسن نصرالله. لعله لم يعلم أن “المقاومة” غزت بيروت، قبل اسابيع من تحريره، وكفّت عن أن تكون مقاومة للعدو، لكنه كان حاضراً وسامعاً ومبصراً كيف أنها بانخراطها في قتل السوريين نأت بعيداً جداً عن روح المقاومة.
الجدل الآخر تركّز على “رسائل اسرائيل” و”رسائل روسيا”. فجأةً، أصبح “المقاومون” محللين موضوعيين باردي العقول رغم أن المناسبة فيها موت ودمار وتحدٍّ اسرائيلي صلف. تحدثوا جميعاً كما لو أن الحدث في مكان بعيد: اسرائيل استغلّت انشغال “المقاومة” بمحاربة “التكفيريين”، أرادت حرف الأنظار عن “انتصارات” نظام بشار الاسد في ريف حلب، استهدفت سمير القنطار لأنه يعمل على مشروع مقاومة لتحرير الجولان… وهذا مشروع “استراتيجي” هيّأت له ايران ميليشيا سورية خاصة أجرت معظم تدريباتها ميدانياً في مقاتلة سوريين آخرين، لكنه تأخّر على الأرجح في ابراز هدفه المفترض، وهو انهاء الهدنة المديدة بين النظام السوري واسرائيل.
يشير المحللون اياهم ضمناً الى أن نظام الاسد أعطى الضوء الأخضر لهذا المشروع، لكنهم يتفادون القول ان الروس منحوا اسرائيل ضوءاً أخضر كي تضربه. وبالنسبة اليهم فان النظام معذور اذ عجز عن حماية سمير القنطار، فهو منشغل بمواجهة “المؤامرة” والارهاب، وهو لم يحمِ سواه أيام كان في ذروة “مقاومته”. لكن ماذا عن الروس؟ كانت لافتة استفاضة محللي المقاومة في شرح العلاقة بين روسيا واسرائيل، مبدين كل التفهم لـ”تحييد” الروس أنفسهم عن الصراع بين اسرائيل والمقاومة، ما يعني استطراداً “تحييد” نظام الاسد أيضاً. فالنظام معني بقتل كل سوري معارض دفاعاً عن “سيادة سوريا”، وروسيا معنية بقتل كل سوري معارض دفاعاً عن النظام، لكنهما غير معنيين باطلاق رصاصة واحدة على أي طائرة اسرائيلية دفاعاً عن المقاومة…