IMLebanon

دولة “أبو ملحم”

 

 

عندما يُحاور الحكم الأطراف السياسية من أجل الأمن في لبنان، هذا يعني أنّ مقولة “الأمن بالتراضي” مُستمرّة، وهي مقولة تُشكّل أصدق تعبير عن أنّ الدولة اللبنانية عاجزة عن فرض الأمن، ليس لأنّها لا تملك الأدوات الأمنية والعسكرية، بل لأنّها لا تملك القرار باستخدام هذه الأدوات في كل المناطق اللبنانية، وتجاه كل الأطراف التي يُمكن أن تُهدّد الأمن والسلم الأهلي.

 

في العام 1975، عندما اندلعت الحرب في لبنان، لم تكن المشكلة أن الجيش اللبناني كان عاجزاً عن فرض الأمن ومواجهة التنظيمات المسلّحة الفلسطينية، ولكنّ المشكلة كانت أن القرار السياسي لم يكن متوافراً، ووقف قسم من اللبنانيين إلى جانب هذه التنظيمات. وقد انسحب هذا الأمر أيضاً على مسؤولين في الدولة اللبنانية، فرفضوا تدخّل الجيش، وعملوا على شرذمته، ما أدّى إلى فقدان الدولة أهمّ أداة لديها لحفظ الأمن وحماية الناس والممتلكات.

 

إنّ الحديث حول طاولة الحوار عن الأمن والسلم الأهلي، ليس سِوى مُجرّد تكرار لكلام يُعاد ربّما منذ استقلال لبنان، مُضافاً إليه طبعاً كل الشعارات التي تتحدّث عن “الوحدة الوطنية” ولبنان الذي لا يُحلّق إلا “بجناحيه المسلم و المسيحي”. ولم تنفع هذه الحوارات في عدم تكرار أحداث شبيهة بتلك التي جرت في السادس من حزيران والأيام التي تلته، لأنّ المشكلة هي في أنّ التحريض لا يتوقّف، وأن الإستقواء بالسلاح مُستمرّ، وأنّ هناك من يفرض على اللبنانيين أن يعترفوا له بشكل دائم بفضله عليهم في مواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب، وأن أيّ كلام خارج هذا الإطار هو عمالة وخيانة.

 

هذه الحوارات لن تنجح، لأنّ الدولة لا يُمكن أن تلعب دور “أبو ملحم”، وأن تُعالج الأمور بـ”تبويس اللحى”. فالأمن ليس مسألة عابرة يجري التلاعب بها في كل مرّة عند حافة الهاوية، لتنتهي الأمور من دون أي معالجة جدية ونهائية. حتّى أنّ المتورطين في هذه الأحداث لا يجري توقيفهم ومُحاسبتهم، فهم في النهاية من مكوّنات سياسية، تحميهم بوسائل متعدّدة. فيكفي فقط أن تقول إن المتورّط ينتمي إلى هذا الحزب أو ذاك، حتى تحجم القوى الأمنية عن التعاطي معه، إن لم تحظَ بتغطية محدودة، تُجيز ربّما فقط السؤال عن اسمه الحقيقي، ومكان سكنه.

 

هذه الحوارات لن تنجح في تجنيب لبنان أحداثاً أمنية أخرى مُستقبلاً، بالرغم من أنّها تنطلق بالفعل من نوايا حسنة وصادقة لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحتى لو قابلته أطراف سياسية معنية بنوايا مُماثلة، لأنّ المسألة ليست مسألة روحانية أو طوباوية، بل هي خلاف جذري بين مفهومين للدولة:

 

مفهوم الدولة الكاملة بقرارها الحرّ والفاعل، وسلطتها وسيادتها على كامل أراضيها وسكاّنها، ومفهوم الدولة المُقتصر على الشكل، حيث لا سلطة لها، ولا سيادة، ولا قرار، وفعلُ مسؤوليها يقتصر فقط على مُراعاة الخواطر. فهي تلعب دائماً دور المُصلح الذي “إلو تلتين الأتلة”.