الحوار ليس وصفة سحرية للخروج من مأزق، وخصوصاً على أيدي الزعامات التي صنعت المأزق واستخدمته كسلاح سياسي في الخلافات وراكمت الثروات منه على حساب الناس الضحايا. ولا هو طاولة نقاش نظري في أمور واقعية وحساسة من النوع الذي لا أحد “يدخل فيه للوصول الى خلاصة بل للحصول على شيء ما”، كما قال الجنرال ديغول. وقمة التحايل على الواقع الصعب المكشوف هي تحويل الحوار من وسيلة لغاية الى غاية في حد ذاتها لخدمة شيء آخر. الحوار في البداية والنهاية قضايا على الطاولة، ومتحاورون الى الطاولة لديهم مصالحهم وحساباتهم حيث موازين القوى، لا المنطق والمصلحة الوطنية، هي ما يحسم المواقف. والكل يعرف الى أين يصل أي حوار في ظل موازين القوى الحالية في لبنان ونوعية الإهتمامات الإقليمية والدولية والفوارق بينها.
ذلك أن ما يحتاج اليه لبنان اليوم ليس الحوار بل القرار. قرار سريع يفك أسر الحكومة التي إتخذها “الثنائي الشيعي” رهينة لفرض مطلب باطل يراد به “إنشاء” حق هو “قبع” المحقق العدلي طارق البيطار، كأن الخوف من التحقيق في إنفجار المرفأ أهم من الخطر على لبنان ومن تسيير أمور اللبنانيين. قرار الخروج على أسوأ نسخة للميثاقية هي “ميثاقية الفيتو” حيث التعطيل أعلى مراحل السياسة. وقرار أكبر هو إستعادة الدولة لدورها المخطوف بقوة السلاح كناظم للحياة السياسية الديمقراطية والإقتصادية، ولاعب باسم لبنان مع الدول، و”محتكر للعنف الشرعي”، حسب تعبير ماكس فيبر.
مفهوم أن هذا ليس سهلاً، ولا من دون كلفة. لكن كلفة الإنهيار المتسارع في لبنان أكبر. وكلفة التسليم بأخذ لبنان الى المشروع الإقليمي المضاد لتاريخه وطبيعته وروحه والذي عنوانه “محور الممانعة” بقيادة الملالي في إيران أكبر بكثير. لا بل إن كلفة الأزمات التي نعانيها اليوم وطنياً وسياسياً ومالياً وإقتصادياً وإجتماعياً تجاوزت حدود التحمل. وما يحتاج إليه تحرير الشرعية هو إرادة وطنية وسياسية، والباقي على اللبنانيين والتطورات المتوقعة في المنطقة.
وما الذي نراه أمامنا ومن حولنا؟ صراع ديوك على مزبلة. تبادل إتهامات بين المسؤولين الشركاء بالهدر والفساد والسرقة، من دون أي محاسبة، كأننا في سجال على مسرح ينتهي بنزول الممثلين عن الخشبة. سجال دستوري في بلد محكوم ومتحكّم به من خارج الدستور.
سجال بين من ينطبق عليهم قول المرجع الدستوري حسن الرفاعي “رجال يعتدون على النصوص الدستورية ويفسرونها وفق أهوائهم، يتقاتلون على المناصب ويتفاهمون على المكاسب”. ومافيا سطت على المال العام والخاص، ولا تزال في مواقعها الرسمية وغير الرسمية، ومطلوب منها إدارة ما بقي بعد السرقات وترتيب خطة للتعافي الإقتصادي والمالي، من دون أي محاسبة للمصرف المركزي والمصارف وإعادة هيكلة المصارف. أليس من الوهم التعافي من دون مصارف توحي الثقة والصدقية؟
يقول المؤرخ الإغريقي تاسيتوس: “يصنعون صحراء ويسمونها سلاماً”. ويدفعنا المتحكمون بنا الى جهنم من صنعهم ويسمونها “لبنان المقاوم”.