كان واضحا ان سعد الحريري لا يسعه رفض عرض الحوار الذي تقدم به السيد حسن نصرالله قبل مدة، علما ان الحريري دعا سابقا الى جولة “مشاورات” يكون اول بنودها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بإعتبار شغور الموقع الرئاسي يتسبب بشلل كامل للمؤسسات الدستورية كلها، ويزيد اهتراء الدولة وضعفها، ويحول دون اجراء الانتخابات النيابية من الناحية العملية. كما ان الشغور الرئاسي يجمد التشريع في البلاد، الى ما هنالك من عوامل شلل على الصعيد السياسي. فرئاسة الجمهورية ليست موقعا هامشيا في البلد، فهي اعلى الهرم، وبكلام آخر يبقى رئيس الجمهورية، اي رئيس، رئيسا للبلاد، واللبناني الاول، رئيس طاولة الحوار المنتظرة.
هذا الكلام ليس شعرا سياسيا، بل انه حقيقة تؤكدها حقائق سياسية يشهدها لبنان. من هنا فإن الحوار الذي لن يقارب المواضيع الخلافية الكبرى، لكونها غير قابلة للحل، ولا امكان للاجتهاد حولها. باعتبار ان موقف الحريري كموقف قوى ١٤ آذار من تورط “حزب الله” في الدماء السورية، غير قابل للتأويل. ومثله موقفه من استخدام الحزب السلاح اداة في العملية السياسية، ولفرض وقائع سياسية اقتصادية وديموغرافية على الارض. ومعلوم ان لبنان دخل بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح مرحلة خطرة للغاية حتمت على الافرقاء الكبار في البلد اتخاذ خيار “التهدئة” منعا لانزلاق لبنان نحو حمام دم شبيه بحمام الدم السوري او العراقي. والحال ان احدا في فريق ١٤ آذار لا يشك لحظة في ان “حزب الله” يقف خلف اغتيال محمد شطح، وقبله وسام الحسن. لكن الواقع السياسي المعقد في لبنان، ومسوؤلية ١٤ آذار دفعتها الى الاختيار بين الدم او التهدئة حماية للكيان، فجرى اتخاذ خيار “التهدئة” مع رفض الانصياع لاجندة “حزب الله”، فإذا كان “حزب الله” ماكينة قتل فهل يكون الرد عليها بدفع البلاد نحو الهاوية؟ كان هذا الخيار صعبا من الناحية الشعبية على الحريري وحلفائه في ١٤ آذار، فالشارع الاستقلالي من طرابلس الى البقاع الغربي فالجبل وبيروت وصيدا لا يرى في “حزب الله” سوى الغدر والقتل والاغتيال والابتزاز والجريمة المنظمة على كل الصعد. من هنا شجاعة الحريري في عدم الاندفاع خلف عاطفة الشارع الصادقة، ولا اخضاع خياراته الوطنية لمنطق الدم بالدم، والجنون بالجنون.
كثيرون من الفريق الاستقلالي على يقين بأن الحزب يناور، ويسعى من خلال “الحوار” الى انتزاع تنازلات جديدة لمصلحته، وانه في توقيته سينقض العهد كما سبق ان فعل، وسيمزّق امضاءه بلا تردد، وإن على “حزب الله” ان يدرك أن احدا لا يتوقع العجائب. فليكن الحوار من اجل انتخاب رئيس تسوية من خارج الفريقين الكبيرين، وليكن من اجل خفض منسوب التوتر المذهبي الداخلي في مرحلة اقليمية شديدة الخطورة، وليكن الحوار في محاولة لانتزاع مكاسب لمؤسسات الدولة. وسيكون المسار طويلا وملغّماً، وقد لا يفضي الى نتائج.
اما نحن فلا اوهام عندنا: يستحيل الوثوق بـ”حزب الله”!