مع انطلاقة الحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” في الجلسة الافتتاحية التي استضافها رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء أمس، والتي أصر على انعقادها قبل نهاية السنة نظراً الى رمزيتها، ولكونها ايذاناً ببداية حوار جدي بين مكونين أساسيين بعد طول خصومة وانقطاع، ينبغي التنبه لبعض المواقف الاستباقية من تلك الخطوة النوعية، والتي يبدو بعضها كلام حق يُراد به باطل، مثل المبالغة في الحديث عن النتائج المتوقعة من ذلك الحوار، علماً أن طرفيه كانا متواضعين إذ أكدا أنه خطوة في اتجاه التفاهم على نقاط الخلاف، وهي كثيرة، وأنه يندرج تحت عنوان التهدئة وتبريد الأجواء الناجمة عن الخطاب السياسي التصعيدي وتداعيات الأحداث في المنطقة، ولا سيما في سوريا والعراق واليمن، وفي أماكن أخرى من العالم، ودائماً تحت عنوان التحريض الطائفي والمذهبي وتحديداً بين المسلمين السنة والشيعة حيثما وجدوا، وحماية لبنان من تلك التداعيات.
وأما النوع الآخر من المواقف الاستباقية، فيندرج تحت عنوان الجزم بأن المتحاورين لن يتمكنا من الوصول الى أي تفاهم، ما دامت عناوين الخلاف الكبيرة ليست مدرجة في جدول المناقشات، وممنوع التطرّق إليها “مثل تورّط “حزب الله” في الحرب الدائرة في سوريا والمشاركة عسكرياً فيها دعماً للنظام، وكذلك موضوع السلاح، وهو أصل الخلاف، والتفرّد بقرارات الحرب والسلم وما شابه، وهو البند الوحيد على جدول أعمال الحوار الوطني المتوقف منذ زمن بعيد وكان تحت عنوان الاستراتيجية الدفاعية”، مع أن أصحاب هذا الموقف يدركون جيداً أهمية العنوان الأول والأساسي للحوار، وهو “التهدئة” وخطورة استمرار الخطاب السياسي التصعيدي والتحريضي وانعكاساته السلبية على المستوى الشعبي وتداعياته التي شهدنا الكثير منها في زواريب بيروت وفي الأحياء المتداخلة وفي مناطق أخرى.
ولعلّ أسوأ العناوين الاستباقية للحوار، هو ذاك الذي يندرج تحت سؤال، إما ساذج، وإما يستبطن سوء نية، ويطرحه نواب ومحاورون في وسائل الاعلام، وهو: ماذا لو تفاهم “حزب الله” و”تيار المستقبل” وبعضهم لا يخجل من طرح السؤال بطريقة أكثر فجاجة “ماذا لو اتفق المسلمون؟ هل يكون ذلك على حساب المسيحيين؟ وما هو الخطر عليهم في حال الاتفاق”؟
إن أقل ما يُقال في هذا الكلام أنه يشكل إساءة كبيرة الى المسيحيين والكتل النيابية التي تمثلهم، إذ يربط حضورهم بخلاف المسلمين ويضع زعماءهم في موقع المتعيّش على هذا الخلاف… ويتحمّل مسؤولية هذا الواقع سياسيون ونواب و”منظّرون” يصبّون الزيت على النار ويؤدون دوراً تحريضياً في تأجيج الخلاف، وهم كثر…
ولا يغيب عن بال طرفي الحوار هاجس التخوّف من التفاهم على رئيس توافقي للجمهورية في غياب الرأي المسيحي، ومن هنا كان تأكيد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله دعم ترشيح حليفه العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، في محاولة لطمأنته الى أن أي تفاهم مع “المستقبل” لن يكون على حسابه، وثمة موقف مماثل من سائر الاطراف السياسيين المسيحيين، عبّر عنه تكراراً الرئيس سعد الحريري.
وسط هذه الأجواء، هل سيكون في إمكان طرفي الحوار “ملامسة” انتخابات الرئاسة في ظل تشبث عون باستمرار ترشحه وإعلان “حزب الله” استمرار دعمه؟
ترى مصادر سياسية مستقلّة أن مجرد الاحتكام الى الحوار، يعني أنه مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها مناقشة احتمال “الرئيس التوافقي”، وتصف إعلان التمسك بدعم عون بأنه “نوع من استرضاء الحليف” وتبديد هواجسه وقطع الطريق على أي حديث عن “تفاهم المسلمين على رئيس الجمهورية في غياب المسيحيين”، وتلفت الى أن الطريق الأقصر لتبديد تلك الهواجس هو في تفاهم الكتل النيابية المسيحية أولاً، على عدم تعطيل جلسات الانتخاب (في إشارة الى تغيّب نواب “تكتل التغيير والإصلاح” الذي يترأسه عون، والذي يقاطع الجلسات بالتنسيق مع حليفه “حزب الله” من خلال “كتلة الوفاء للمقاومة”، وثانياً العمل على كسر الجمود الذي يؤدي الى مزيد من الفراغ في موقع الرئاسة، وذلك من خلال الترفّع عن الحسابات الشخصية وإملاء الشروط حول شكل الجلسات المطلوبة وعدد المرشحين”!
وتعكس أوساط قريبة من “المستقبل” مزيداً من التواضع على جلسات الحوار، إذ ترى أن بت التفاهمات الكبيرة ذو صلة بالتطورات الجارية في المنطقة، وهي متحركة ومتغيّرة، وترى في الحوار الثنائي “بداية جيدة ومؤشراً إيجابياً ودليل تطوّر في سياسة كانت تعتمد العزل والإقصاء وقد ثبت عدم جدواها”…