على الرغم من اجماع الافرقاء اللبنانيين كافة، وضغط مرجعيات روحية على ضرورة ملء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية… وعلى الرغم من الرسائل الدولية المتلاحقة التي تحث على انجاز الاستحقاق الرئاسي في »أقرب وقت ممكن«، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن انقشاع في الرؤيا أمام المعنيين، وازالة الألغام من طريق الوصول الى هذا الاستحقاق – الذي تراجع من ان يكون البند الأول على طاولة »هيئة الحوار الوطني«، الشامل، التي تضم رؤساء الكتل النيابية قاطبة، ليصبح في عالم المجهول، ولا يحضر في جلسة الحوار، إلا من باب »اللهم اشهد اني قد بلغت«، كما لا يحضر على طاولة مجلس الوزراء إلا من باب التذكير على لسان رئيس الحكومة تمام سلام..؟!
عندما يسأل الرئيس نبيه بري عن السبب، فلا يجد مانعاً في ترداد مقولة: »ننتظر الترياق الرئاسي من الثنائي السعودي – الايراني« وهو يعرف ان خلاصة كلامه تقود الى التسليم بأن القرار ليس في يد الافرقاء اللبنانيين المعنيين بانجاز الاستحقاق، وقد سلموا مفاتيح الحل والربط الى الخارج…
لكن الرئيس بري وعلى طريقته، لم يقفل الباب نهائياً في جلسة الحوار التي ستعقد اليوم الاربعاء جلستها السابعة عشرة، وقد نقلها من – مجلس النواب في ساحة النجمة، الى معقله في عين التينة، لأسباب قيل إنها »أمنية«… وهو من باب حرصه على جمع الافرقاء كافة، حول طاولة واحدة، نوَّع من الموضوعات والبنود وحقق »انجازاً بالغ الأهمية في »تفعيل عمل الحكومة« ويسعى جاهداً من أجل تفعيل عمل مجلس النواب، الذي بدأ عقده العادي منذ نحو اسبوعين، ولم يجتمع، لا كهيئة ناخبة، ولا كهيئة مراقبة ومحاسبة، ولا كهيئة تشريع، وهو الذي مدّد لنفسه مرتين ولاية كاملة…
يسعى رئيس المجلس، على ما يقول وثيقو الصلة به، جاهداً، مع الافرقاء كافة لتمرير البند الرابع عن جدول أعمال هيئة الحوار الوطني، والمتعلق بـ»ماهية قانون الانتخابات النيابية«، ويوليه أهمية خاصة، وقد أوكل المهمة الى »لجنة التواصل النيابية« برئاسة عضو كتلة »القوات اللبنانية« جورج عدوان، البحث عن قانون للانتخابات، لكن على ما يظهر، فإن اللجنة لم تتمكن من أحداث أي خرق او انجاز لافت، على الرغم من عشرات الاجتماعات التي عقدتها، »لتدوير الزوايا« وتضييق مساحة التباين والاختلاف بين الافرقاء الموزعين بين من طالب، وبحماسة لافتة، بقانون يعتمد »النسبية المطلقة« على أساس ان يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، او يقسم الى دوائر كبرى، وبين من يتمسك بقانون يعتمد النظام الأكثري، وفريق ثالث يجمع بين »النسبي« و»الأكثري« من دون رسم حدود الدوائر الانتخابية، الخاضعة لحسابات هذا الفريق او ذاك الفريق؟!
قد يكون من باب المصادفة، ان يضغط الرئيس بري باتجاه تفعيل عمل مجلس النواب، بعدما حقق نجاحاً نسبياً، معقولاً، على خط تفعيل عمل الحكومة، التي ماتزال خاضعة لحسابات مكوناتها، على اختلاف مواقعهم… والبنود الخلافية، على طاولة مجلس الوزراء ليست هامشية.
اللافت، ان أفرقاء أساسيين، يصرون على ضرورة اجراء الانتخابات النيابية، قبل الرئاسية، بعدما سدّت طريق القصر الجمهوري في وجوههم… ومن بين هؤلاء الافرقاء »تكتل التغيير والاصلاح« برئاسة (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، الذي تخلى عن أولوية انجاز الاستحقاق الرئاسي لصالح أولوية انجاز الانتخابات النيابية على خلفية ان هذا المجلس فقد شرعيته بالتمديد… ولأسباب في يقينه أنها ستساعد على اعادة رسم أحجام القوى السياسية – النيابية، بما يسهل له العبور الى بعبدا… وهذه مسألة ليست في وارد الأخذ بها، من قبل غالبية الافرقاء، ومكونات مجلس النواب وذلك لأسباب عديدة، منها السياسي، ومنها القانوني…
هناك من يدعو الى التروي، ولا يقرأ في هيئة الحوار (الثنائي والشامل) إلا استيعاب »الوقت الضائع« بانتظار اتضاح ما ستؤول اليه التطورات على المستوى الاقليمي، التي ستكون في قناعة عديدين، حاضرة، وبقوة، في مسار الحدث اللبناني… وتأسيساً على ذلك، فإن »الحوار«، وان كان في قراءة البعض، هو أشبه بـ»حوار الطرشان« و»اضاعة الوقت« الى أنه في نظر آخرين، حاجة ضرورية لتنفيس الاحتقانات وكسر حاجز القطيعة، إذ لا يجوز بالمطلق النظر الى النصف الفارغ من الكوب، ولا بد من النظر الى النصف الملآن من أجل تحضير الأرضية لأي تطور قد يؤدي الى رفع العوارض من طريق انجاز الاستحقاقات المطلوبة… لاسيما وان المنطقة، على ما تشهد التطورات الأخيرة، باتت وكأنها أمام مرحلة جديدة تبشر بحلول سياسية، من اليمن الى العراق فسوريا، بعدما أثبتت الخيارات العسكرية فشلها… وان كانت المسألة تحتاج الى مزيد من الوقت وكل فريق يحاول ان يجمع بين يديه المزيد من »أوراق القوة« على الارض، او على المستوى الدولي والاقليمي…
هكذا يظهر، ان القفز من فوق الاستحقاق الرئاسي لم يكن خياراً قابلاً للمراجعة في أي لحظة، بل كان جزءاً من التسليم بأمر واقع، من دون اقفال الأبواب بشكل تام ونهائي…