Site icon IMLebanon

الحوار… ونتائجه القابلة للإبتلاع السريع

الحوار المقبل ما بين تيار المستقبل وحزب الله، يستغرب البعض القليل حصوله في إطاره الضيق المطروح الذي فقد مداه وجدواه وفعاليته المطلوبة، ويستبعد البعض الآخر، تحققه في ضوء ما هو مطلوب منه، ليستعيد الوطن ركائزه وتوازنه، ولتسترد الدولة وجودها وفعاليتها والجدوى من قيامها.

وربّ من تشبّث بالقول: لئن لم يجلب لنا هذا الحوار الذي بات على الأبواب، إلاّ تنفيس الإحتقان السني – الشيعي القائم وفقا لما يروج له البعض، فهو سيكون منطلقا إيجابيا ولو صغيرا، لجملة من الآمال الحوارية المطلوبة والتي يؤمل أن تحقق نتيجتها – إن تحققت – أمنيات قيامة لبنان وانبعاثه إلى دنيا الحياة من جديد، بعد أن اشتدت من حوله عمليات التدمير والتخريب والنهش المتمادي بلحمه الحي، وبتركيبته العضوية، قطعة قطعة، وعضوا عضوا.

لئن كان الهدف من الحوار المقبل إطفاء بعض تشنجات الخلافات السنية – الشيعية، فهو حوار لا يستأهل في واقع الأمر، كل هذا الجهد وكل هذا الإعلام المبالغ باحجامه ومدى نشره، ذلك إن هذا الهدف المحدود ليس في واقع الحال، على هذا القدر المبالغ في توصيفه وإعطائه درجة التشنج المستفحل، ذلك أنه في أخطر الحالات، هو يقف عند خطوط مضبوطة من جهات دولية وإقليمية ومحلية، جميعها ليست لها مصلحة في تفجير الوضع اللبناني والدفع به إلى حجم التفجيرات شديدة الخطورة المندلعة في بعض مواقع هذه المنطقة شرق الأوسطية خاصة منها سوريا والعراق، وبعض البقع والرقع من هذا الوطن العربي الواسع. يضاف إلى هذه الضوابط، أجواء إسلامية لبنانية بطرفيها السني والشيعي، بدأت تعي أكثر فأكثر، ترّهات مختلفة يطلقها بكثافة عشوائية، جملة من مشعلي فتائل الفتن، بدأت تظهر إلى الوجود متحلية بالوعي والمنطق والجرأة في عرض أقوالها ومواقفها، وهي، وإن كانت قليلة العدد ومحدودة المدى حتى الآن، فقد أخذت تدق نواقيس الخطر وتدعو إلى توحيد الصفوف بما يضع ولو بعض الحدود بوجه الساعين إلى تخريب كل ما هو قائم، تحقيقا لغايات لا علاقة لها بمصلحة لبنان واللبنانيين، وخاصة منهم، أولئك المنتمين إلى المذاهب الإسلامية المختلفة.

الحوار السني – الشيعي الذي يسعى كل من الرئيس نبيه بري والوزير وليد جنبلاط وآخرون إلى تحقيقه… وما دامت أهدافه لن تؤدي الاّ إلى إطفاء نيران لم تشتعل ولن تشتعل في المستقبل المنظور إلى الحد الذي يستدعي كل هذا الجهد الذي قد ينقلب إلى خيبة أمل واسعة لدى اللبنانيين عندما ستوضح لهم الأيام محدودية أثره وضيق أفقه، فلماذا إذن يبقى حوارا ضيقا صغيرا لا يتشكل منه الاّ حبة «اسبرو» قد تفيد وقد تسكن الألم – ولكنها لن تمحوه ولن تزيله.

في ضوء الأوضاع الحالية، ما هو المسموح تحقيقه من الموضوع الحواري، وما هو الممنوع، وبأي قدر ولأية غاية؟ المسموح الواضح من قبل من بيدهم مقاليد الأمور في الداخل والخارج، هو خلق جملة من الحوارات بأضيق مدى ممكن وبأكثر الآفاق ضبطا وإمساكا بمفاصل الحركة لدى اللبنانيين، حتى لا تنطلق خطواتها الإيجابية أكثر من اللزوم، فأكثر من المدى الضيق، هو من قبيل لزوم ما لا يلزم.

المسموح به تمرير الوقت وتدجين الزمن وتمرير الأحداث الإقليمية والدولية إلى أطول مدى ممكن، حتى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومن هو الرابح ومن هو الخاسر في صراع الأمم الحاصل المنفلش على عديد من ساحات هذه الكرة الأرضية، وخاصة ما هو متوقد بنيرانها واستهدافاتها الخطيرة في هذه الأيام الظلماء الحافلة بأشد المخاطر والمزالق والمطبات.

ما هو مسموح في الواقع، هو عموميات غير قابلة للتحديد ولإيجاد حلول لها مدروسة وواضحة، وفي مطلق الأحوال، هي عموميات ذات مدى بعيد، طويل النفس، قمة في المناورة والمؤامرة والتحسب، ويقتضي وقتا لتحقيقه بحسناته وسيئاته، ومع الأسف البالغ، فإننا في طليعة المرشحين لأن نكون من سيدفع أثمانه الباهظة بما يتجاوز إمكانياتنا وطاقاتنا وقدرتنا على الصمود والتحمل.

أما الممنوع، فحدث عنه ولا حرج. في المرحلة الحالية، هو حازم وقاطع وغير قابل للمناقشة  والتداول الدقيق والموقف الواضح، ويمكن التطرق إليه بالإشارات المتحفظة التالية:

– ممنوع: إعادة الدولة إلى وحدتها، ذلك أن المطلوب متمثل في قسمتها إلى: أ) دولة شبه شكلية لا تسمن نفسها ولا تغني من جوع لشعبها، ب) ودويلة طائلة وقادرة وممسكة بخيوط السلطة وصولا إلى حدود التسلط.

– ممنوع: حرمان الدويلة من سلاح اكتسبت بعض شرعيته المعنوية يوم اقتصرت توجهاتها ومهامها وجهودها العملانية على مقاومة إسرائيل والتصدي لاحتلالها، للأرض اللبنانية وخسرت تلك الشرعية المعنوية، يوم أصبح سلاحها موجها نحو الداخل، مصوبا إلى صدور المواطنين ومساكنهم ومصادر رزقهم وحياتهم، وكان ذلك منذ أن اندفعت نحو ارتكاب جرائم بحق الوطن، أبرزها ما تمثل بالإغتيالات الكبرى التي طاولت أركانا وطنية قيادية، مما دفع بالأوضاع العامة إلى التدهور والتأزم والتدهور باحجام غير مسبوقة.

– ممنوع: مطالبة الدويلة بالخروج من دخولها القتالي للأراضي السورية ودعمها لنظام ديكتاتوري ظالم، ملأ الأرض والفضاء السوري والمواطنين السوريين قتلا ودمارا وتشريدا وتسمما بآثار السلاح الكيماوي الذي سلّم بعضا منه إلى الأميركيين لتدميره، واحتفظ ببعض آخر ما يزال قيد الإستعمال ما مكنت من ذلك الأوضاع القائمة والظروف المؤاتية.

– ممنوع: التطرق إلى انتخابات رئاسة الجمهورية وإلى إعادة رأس رئيسها المقطوع إلى مكانه في السلطة بهدف إفقاد لبنان بوصلته التي تمكنه من الحركة المتوازنة القادرة على حماية ميثاقية هذا البلد، حيث يتعذر عليه بدونها الإستمرار في خط الصمود والوجود والإستمرار في حياة طبيعية حرة من كل قيد وكل ديكتاتورية، ومتمسكة بالمبادئ الديمقراطية السليمة. وحل هذه المعضلة ليس كما توهم به الدويلة الناس أنه متمثل بانتخاب العماد عون وحده لا شريك له، لهذا الموقع المتميز، ليكون رأس الدولة دون كل الرؤوس، بل الإبقاء عليه في شكله العجيب الغريب القائم، ريثما تتضح الأمور ويبرز للوجود الواضح والصريح ما هو الموقع الإيراني الواضح في مستجدات الحلول التي يعمل أهل الحل والربط ويجهدون لتحقيقها.

– ممنوع اقرار قانون للإنتخابات النيابية تحت أية صيغة من الصيغ، وممنوع إجراء انتخابات لا تضمن أكثرية للدويلة وعناصرها المتحالفة معها، فليس المطلوب بالنهاية، تحقيق توازنات سياسية وسلطوية يراعي بعضها بعضا، ويحترم كل منها ميثاقية وجودها وتوجهاتها، فالميثاق بوضعه القائم كنتاج لجهود مؤتمر الطائف، مرفوض، والتوازن في التمثيل الوطني والسياسي، مرفوض، والنظام كاملا شاملا، بعناصر وجوده وتكوينه ومقوماته مرفوض، والمطلوب في واقع الأمر ومهما اشتد الإنكار لهذا التوجه لدى الدويلة وحلفائها، هو إلحاق هذا البلد وأهله ومواطنيه ومكوناته وطوائفه ومذاهبه جميعا، ببلد آخر يصرح مسؤولوه بأنهم أصبحوا في هذه الأيام يتمركزون من خلاله على شواطئ البحر المتوسط ويعززون من خلاله تواجدهم المتعاظم في سوريا ولبنان والعراق، وفي المنطقة العربية عموما.

ماذا يبقى إذن من هذا الحوار الذي يشغل له، الاّ بقايا ميكروسكوبية من ايجابيات لا ترى بالعين المجردة ؟ كثيرون لا يعارضون في مباشرة مثل هذا الحوار، استزادة منهم في توفير عناصر إضافية وإن ميكروسكوبية، لمنع أي نوع من أنواع التفجير المحتمل في هذا البلد القائم حاليا على فوهات البراكين.

وتبقى هذه الإستزادة الإيجابية الضئيلة، رغم كل شيء، أمرا معقولا ومقبولا، إلاّ إذا حولتها الأيام إلى خيبة أمل جديدة تضاف إلى خيبات الأمل التي سبقتها والتي تمثلت في توافقات حصلت فعلا أكثر من مرة وحررت لها إتفاقات متنوعة ووقع عليها الجميع كأجزاء متكاملة إنتهت إليها حوارات وطنية متعددة وطمست آثارها واختفت من الوجود، وتم إنكارها والتخلص الكامل من نتائجها الدستورية والوطنية والأخلاقية، وبعد أن حقق الوطن من خلال مؤتمرات الحوار المتتالية وآخرها إتفاق بعبدا جملة من المكاسب الوطنية المهمة، وأعادنا المتراجعون عنها إلى نقطة الصفر، ها هم يطالبون اليوم بالعودة إلى انطلاق جديد من جملة أصفار سبق أن تكاثرت وتكثفت، علّنا بذلك نتسلى أكثر بانتظار آمال موقوفة، التنفيذ وتراجعات جديدة وتواقيع رجراجة قابلة للإبتلاع السريع.