مثلما هو ممنوع على الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» التوقّف، ممنوع على الحوار بين قادة الكتل النيابية التوقّف أيضاً، فالأوّل يَعتبره البعض «حواراً إيرانياً ـ سعودياً» غيرَ مباشر، أمّا الثاني فهو أوسعُ ويشكّل حواراً محلّياً وإقليمياً ودولياً يُحاكي ما يجري من حراك خارجي متعدّد الجنسية في شأن الأزمات العاصفة بالمنطقة.
يقول متابعون إنّ الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» أنجِز ولا يزال ينجَز على الصعيد الأمني، بحيث إنّه يحدّ من التشنّج المذهبي ويؤمّن الغطاء اللازم لكلّ الخطوات والإجراءات التي تتّخَذ لتدعيم الأمن والاستقرار.
ولكن على المستوى السياسي لم ينجَز شيء، بدليل أنّ التوتر السياسي بين الطرفين المتحاورين مستمر وهو يتصاعد حيناً، ويهدأ أحياناً، ولا يؤدي إلى تعطيل الحوار، بدليل ما حصَل أخيراً من حملة عنيفة شنّها وزير الداخلية نهاد المشنوق على حزب الله وهو يمثّل «المستقبل» فيه، وردَّ عليها «الحزب» بعنف أكثر، ولكنْ كانت النتيجة أنّ هذا الحوار لم يتوقّف، فضلاً عن أنّه لم يتأثّر سلباً بالتوتّر الكبير الذي يشوب العلاقة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية اللتين تواظبان على تشجيعه والاستمرار فيه حتى ولو لم يحقّق نتائج ملموسة الآن.
ويرى هؤلاء المتابعون أنّ استمرار حوار عين التينة تحديداً يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الأزمة السائدة بين الرياض وطهران آيلة في النهاية الى حوار بينهما يساعد بنتائجِه على إيجاد حلول للأزمات الإقليمية من اليمن الى سوريا مروراً بالبحرين والعراق، وذلك على قاعدة «رابح ـ رابح» وليس على قاعدة «غالب ومغلوب» أو «رابح ـ خاسر».
وبالتالي فإنّهما تريان أنّ استمرار الحوا ر بين «الحزب» و»المستقبل» مطلوب ليشكّل في اللحظة المناسبة عاملاً مساعداً على حلّ الأزمة اللبنانية التي هي إحدى الأزمات الإقليمية المراد معالجتها.
ولذلك، يرى المتابعون أنفسُهم أنّ حوار عين التينة سيشكّل في لحظة ما رافداً للحوار الوطني المتمثّل بحوار قادة الكتل النيابية والمعوّل عليه أن يتوصّل في أيّ وقت الى حلّ شامل للأزمة اللبنانية، فحوار عين التينة يساهم في تفكيك العقَد الأمنية، ولم يستطع تبديد الخلاف السياسي العميق بين طرفيه.
في حين انّ حوار ساحة النجمة مطلوب منه تفكيك العقد السياسية واكتساح الألغام من طريق حلّ الأزمة الوطنية الكبرى، لكنّه لن يتمكن من فتح كوّة في الجدار إلّا إذا اتّفق على انتخاب رئيس جمهورية جديد وعلى إقرار قانون انتخابي يحقّق نقلةً نوعية في الحياة السياسيّة ويساهم في نشوء سلطة جديدة تتميّز بشمولية التمثيل في القرار الوطني.
وما يجري في حوار عين التينة الآن مقاربات حول مواصفات رئيس الجمهورية الجديد، وقد حقّق بعض التقدّم فيها، ولكنّ المتحاورين، يسيرون، كلّ فريق على طريقته، على إيقاع الحراك الجاري في شأن الأزمات الإقليمية وكأنّ لديهم « كلمة سرّ» أو شعوراً بأن ليس مسموحاً للبنان أن يسبق بحلوله أزمات المنطقة وأنّ هذه الحلول يجب أن تكون نتائج معالجة تلك الأزمات.
وغالبُ الظنّ أنّ الحوار سيستمر في التركيز على بندين أساسيَين في جدول أعماله: الأوّل انتخابات رئاسة الجمهورية ومدخلُها الاتفاق على رئيس توافقي. والثاني قانون الانتخابات النيابية الجديد ومدخلُه الاتّفاق على اعتماد النسبية فيه وعلى عدد الدوائر الانتخابية وحجمها.
ذلك أنّ هذين البندين يختصران كلّ جدول أعمال المتحاورين، بل يختصران الأزمة التي تبحث عن حلّ منذ العام 2005، بل منذ الفشل في تنفيذ «اتّفاق الطائف» الذي كان البعض ولا يزال يعمل لتفصيله على قياس مصالحه السياسية والانتخابية، خصوصاً على مستوى القوانين الانتخابية التي لم يأتِ أيٌ منها مطابقاً له في الشروط والمواصفات منذ انتخابات 1992 التي كانت أوّل انتخابات نيابية يشهدها لبنان بعد الحرب.
في المحصلة يعتقد المتابعون أنّ حوار ساحة النجمة هو المكان الوحيد للبحث عن حلول للأزمة، وعندما يقول راعيه ومديرُه رئيس مجلس النواب نبيه بري إنّه لم يعُد من خيار أمام اللبنانيين سوى هذا الحوار، فإنّ ذلك يعني أنّه سيكون معقل الحلّ المطلوب للأزمة وأنّ على المتحاورين أن يبحثوا ويُمحِّصوا ويدَوّروا الزوايا ليسهلَ عليهم لاحقاً إنتاجُ هذا الحلّ ممهوراً بالانفراجات الإقليمية التي ستبدأ من البوّابة السوريّة، في الوقت الذي بدأت تظهَر في الميدان اليمني بعض الإشارات إلى اقتراب لحظة الحوار اليمني ـ اليمني لإخراج اليمن من أزمته ليعود «يمناً سعيدا».