IMLebanon

الورقة التي ينام عليها الجميع

 

والآن، صار الجميع قادراً على النزول عن الشجرة. فقد سارَع الرئيس نبيه بري إلى إطلاق «كلمة السر» فور انتهاء الجلسة الثانية عشرة لانتخاب الرئيس، وهي: الحوار، الذي سيكون بمثابة سلّم يستعين الجميع بدرجاته للنزول. وبعد ذلك، على الأرض، كل شيء سيكون واضحاً: «عَدس بترابو، كل شي بحسابو».

 

 

عندما طرحَ رئيس المجلس، سابقاً، فكرة الحوار للاتفاق على الرئيس، لم يَلق التجاوب في المعسكر المقابل. وهذا أمر بديهي، لأنّ الفكرة لم تكن ناضجة.

 

كان الفريق المتمسّك برئيس تيار «المردة» (وما زال) يطالب بالحوار لا بهدف الاتفاق على تسوية بين مرشحين اثنين مُتقابلين، بل لإقناع القوى الأخرى بمرشحه حصراً. ومراراً رَفعَ كوادر «حزب الله» شعار: تعالوا نتحاور، فنقنعكم بمرشحنا. إنه توافقي، وهو الأفضل للبلد. ونحن لن نتراجع عنه في أي حال.

 

كان يعني الحوار، حينذاك، غلبة وجهة نظر على أخرى. وصحيح أنّ أصحاب الوجهة الغالبة هم الأقوى على الأرض، لكن التوازنات الداخلية والخارجية تسمح للآخرين بهامشٍ من المواجهة وممارسة «الفيتو». وبعد ذلك، تأتي القوى الخارجية بتسوية على قياساتها، فيَنصاع لها الجميع في الداخل.

 

اليوم، يطرح الحوار مجدداً. وعلى الأرجح، لا يريد الفريق القوي أن يتنازل، ولن يقبل برئيس للجمهورية لا يكون واثقاً فيه تماماً. فقط، يمكن أن يقوم هذا الفريق بتَبديل مرشحه الحالي، إذا لم يكن مُصراً على إيصاله شخصياً إلى الرئاسة. والآلية التي تكفل الوصول إلى ذلك هي الحوار.

 

ثمّة من يقول: ربما تم ارتكاب خطأ في تكتيك معركة فرنجية. فطَرح اسمه في هذا الشكل كان مغامرة عَرّضَته لمحاولات الاستهداف، سواء بسواء مع مرشح الطرف الآخر. فقد أظهرت جلسة الانتخاب الأخيرة وجود مرشحين قويين متقابلين، وليس سهلاً على داعميهما أن يتخيلا عنهما بسهولة.

يقول أصحاب هذا الرأي: كان الأفضل لداعمي فرنجية أن يناوروا بطرح اسم آخر في مرحلةِ المساومة و«الحَرق»، على أن يطرحوا اسم فرنجية في مرحلة ثانية، كتسوية يمكن أن تحظى بدعم أو عدم اعتراض من الخارج، خصوصاً أنه أحد الأقطاب الموارنة الأربعة الذين جَرت تسميتهم قبل 7 سنوات، كممثلين «شرعيين» لطائفتهم.

 

الحوار اليوم لا يمكن أن ينطلق بمبادرة داخلية. هو ينتظر دعما خارجيا. وعلى الأرجح، ستكون مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان مُحفّزة على الحوار الداخلي. وإلا فإنها ستكون بديلا من الحوار اللبناني – اللبناني، إذا عَمد الأفرقاء الداخليون إلى «تكبير الحجر»… أو «تكبير الرأس».

 

ولكن، قد تقع القوى اللبنانية في خطأ المبالغة في الرهان على المبادرة الفرنسية. فالرئيس إيمانويل ماكرون أحرقَ أصابعه مراراً بالمبادرات اللبنانية التي بقيت نتائجها عبثية. كما أن الرهان على زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان لباريس يفترض أن يبقى ضمن حدود واقعية.

 

فصحيح أن الملف اللبناني مدرج على جدول محادثات ماكرون- بن سلمان، لكن لبنان اليوم ليس الطفل المدلل عندهما، والملف اللبناني ليس هو الأكثر أهمية على الطاولة. وثمة أولويات يريد الضيف السعودي تحقيق إنجازات فيها، وهي تتعلق خصوصا بدعم فرنسا للسعودية في المجالات السياسية والمالية والعلمية، كجزء من مشروعه الاستراتيجي الطموح، الرامي إلى تكريس موقع قوي ومُستقل للمملكة بين الشرق والغرب. وفي المقابل، يرغب ماكرون في ضمان موقع قوي لباريس في هذه الاستراتيجية، فأوروبا أيضاً تعبت من صراعات الشرق والغرب على أرضها، وحرب أوكرانيا تبقى الأكثر إيلاماً للقارّة العجوز منذ الحرب العالمية الثانية.

 

وعلى الأرجح، سيتوافق السعوديون والفرنسيون مجدداً على ضمان حد أدنى من الاستقرار في لبنان، يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإنجاز خطة إصلاح مالي وإداري. وهذا ما سيدفع لودريان إلى طرح مبادرته الحوارية قريباً. وهي ترمي على الأرجح إلى إنتاج رئيس – تسوية. ومع أن حظوظ هذه التسوية قد ارتفعت بعد جلسة الانتخاب الأخيرة، فلا أحد يضمن نجاحها.

 

وتتردد في أوساط 8 آذار أن خيار «الثنائي» بدعمِ فرنجية انطلاقاً من مواصفات يراها كطلوبة، وهي: الانفتاح على المجتمع الدولي والعرب، العلاقة الجيدة ببكركي، الاعتدال السياسي، والعلاقة الوطيدة في العمق مع دمشق وحلفاء طهران في لبنان.

 

إذاً، بعد جلسة 14 حزيران، عرفَ كل طرفٍ حدوده التي لا يمكنه تجاوزها وضرورة اعتماد الحوار من اجل انجاز تسوية تشمل رئاسة الجمهورية واسم رئيس الحكومة الجديد وخريطة طريق الحكومة العتيدة حتى لا يبقى البلد اسير سلسلة من التعطيل. وثمة من يعتقد أن الجميع ينامون على ورقة ما، وهم سيكشفونها في اللحظة المناسبة.