IMLebanon

حوار بين لبنان ومواطن

}} لبنان: تدعي حبك لي وأنت تبيعني بتحويل الأرض إلى كسارات ومرامل وتقطع أشجاري من أجل الفحم. نشرتم الزبالة في كل مكان. أصبحتُ معرضاً للنفايات..

تحولت البشاعة إلى كل مكان في الطبيعة، تردت الأخلاق، زالت السياسة، مات الشرف، اضمحل العلم والثقافة، ساد الجهل، تلاشت الحرية. بقي لديكم شيء من فوضى الثرثرة. كلامكم لم يعد مفيداً. تحتاجون إلى الكثير من المسكنات كي تسمعوا نشرات الأخبار. الصحف لا تقرأونها.

¬ المواطن: الحق على النظام السياسي.

}} لبنان: بعتم حريتكم في سوق النخاسة الطائفية؛ تصطفون على أبواب الطوائف وزعمائها من أجل خدمة أو وظيفة لولدكم.. بعد تشويه الطبيعة دمرتم النظام السياسي وجعلتم قيامته شبه مستحيلة.

¬ المواطن: البلد ماشي حاله من دون رئيس وبرلمان وبوجود حكومة توافق.

}} لبنان: هذه أفضل روشته للإفلاس. طبقة سياسية تصنع تفليسة. لديكم سنديك هو هذه الحكومة والبرلمان الممدد. تنوون تقاسم ما تبقى. كل منكم لا يهمه إلا مصلحته الشخصية: والمصلحة عندكم هي الكسب الحرام.

¬ المواطن: لا تحاسبنا على ما ليس باستطاعتنا فعله. الخارج يتدخل.

}} لبنان: الخارج يتدخل باستدعائكم أنتم. لو كانت لديكم إرادة، لو قررتم مصيركم، لما استطاع أحد التدخل في شؤونكم. لديكم عشرات المليارات في نظامكم المصرفي، ورغم ذلك تطلبون مكرمة من الخارج لتسليح الجيش، وتتسولون القروض لتمويل الإنفاق والنهب.

¬ المواطن: أوضاعنا الأمنية ليست كما يجب.

}} لبنان: كيف تجرون انتخابات بلدية ولم تفعلوا الأمر نفسه بالانتخابات النيابية؟ هل لأنكم لا تريدون رئيساً للجمهورية. وهل الرئاسة: «أنا أو لا أحد» مقابل «لا أنت ولا أحد» أليست رئاسة الجمهورية رمز الدولة؟!

¬ المواطن: البلد ماشي من دون رئاسة جمهورية.

}} لبنان: هذا وهم كبير. البلد ماشي نحو الهاوية من دون رئيس جمهورية. أعطيتكم كل شيء ولم تعطوني شيئاً.

¬ المواطن: وكيف ذلك؟

}} لبنان: أغضب إذ لا تفهم. أنا لبنان وطنكم أعطيتكم بقعة من أجمل ما في الدنيا على شرقي المتوسط. مناخها ولا أحلى. طبيعتها ولا أجمل. تراثنا ولا أحب وأظرف. لم تعطوني شيئاً. ليس الوطن شيئاً من دون دولة. برهان محبتكم لي هو قيام دولة تدار فيها شؤونكم؛ عليكم أنتم أن تديروا شؤونكم.

¬ المواطن: رأفة بنا؛ نحن مواطنوك.

}} لبنان: اخرس! أعطيتكم الوطن. لم تعطوني الدولة. لا تفهمون معنى الدولة. تظنونها آلة نصب واحتيال. تعتبرونها كائناً غريباً عنكم، وكل ما يأتيكم منها غنيمة. تعيشون في عصور الغزو والغنيمة. لا في عصر العمل والإنتاج. لا تحبون العمل. تكسبون مالكم بالصدقات والحرام. أنتم لستم أهلاً لبلدكم. معظمكم يهاجر في سبيل العيش. هل يحب بلده من يهاجر؟ حتى الهجرة الاضطرارية. ماذا فعلتم كي يبقى أولادكم عندكم؟ ماذا فعلتم كي يبقى أولادكم الذين يتعلمون في ساحة العمل والبناء. لا يهمكم إعمار البلد. جعلتموه فندقاً للغير. يعود بعضكم كل صيف. تقيمون الاحتفالات. تتباهون بتراث لا تعرفونه. تستقبلون الضيوف من غير اللبنانيين، عرباً وأجانب، بهدف سلخ جلودهم بعد تقديم الخدمات المريبة لهم؟ ماذا تبقى من الشرف؟

¬ المواطن: البلد صغير، قليل الموارد الطبيعية.

}} لبنان: ما من بلد صغير عاجز عن الإنتاج والدفاع عن نفسه. أنتم تحتجون بالبرد وحر الصيف. مشكلتكم بؤس العقل، شلل الإرادة، الاتكال على الخارج. أنتم لبنانيون بحكم الإقامة وحسب. أعطيتكم لبنان الوطن وما أعطيتموني الدولة. ليس الوطن الحقيقي إلا الدولة.

¬ المواطن: نعيش من دون دولة. لدينا نظام تديره البيروقراطية وقوى الأمن.

}} لبنان: بلدكم يديره الغير بواسطة البيروقراطية وقوى الأمن. لا تطمئنوا إلى ذلك. متى تخلى الغير عنكم، عدتم إلى عاداتكم السابقة في الاقتتال الداخلي. وهل واقعكم الحالي سوى حرب أهلية من دون سلاح؟ حرب أهلية متقطعة.

جاءكم فؤاد شهاب بالمؤسسات. دمرتم المؤسسات بالحرب الأهلية. جاءكم رفيق الحريري بثقافة الإنجاز. صارت الإنجازات عبئاً عليكم بعد اغتياله.

ماذا تريدون بالخصخصة؟ شركات تربح ولا تفعل شيئاً. أنظروا ميكانيك السيارات. وشركات تعمل وتربح ولا تريدون ذلك. أنظروا النفايات الصلبة. كان البلد نظيفاً وإذا به مكب نفايات. وشركات إنترنت تعمل بغير مسوغ شرعي وتربح كثيراً، وربما تتصل بالعدو ولا تعاقبون أحداً. كل يوم فضيحة تأكل الفضيحة التي قبلها.

¬ المواطن: لكن الأمور ليست سيئة كثيراً. لدينا جهاز مصرفي مليء، وجيش يضبط الأمن، وقوى أمن داخلي تراقب وتعتقل وتُفشل المؤامرات، وبيروقراطية تسيّر أمور الناس، ولدى الناس نية حقيقية بالعيش المشترك، ألا يستطيع المرء أو المرأة التجوال في الليل من دون اعتراض. كم شقة فارغة في بيروت لا يمسها أحد. الجرائم في لبنان أقل من غيره بكثير.

}} لبنان: أما تخجلون مما تقولون؟ أما تستحون من هذه التبريرات لوضع بائس؟ أما زكمت أنوفكم روائح فضائح الفساد، كما تزكم أنوفكم النفايات المنتشرة؟ ألا تشعرون بالخطر المحدق؟ ألا تشعرون أن الانهيار بات وشيكاً. أنا لبنان الجغرافيا، لا أنوي افتعال زلزال، لكن ظروفكم الاجتماعية والسياسية تشير إلى ذلك.

لقد اختصرت لكم التاريخ والجغرافيا ووضعتكم على شرقي المتوسط كي تتباهوا. كبر رأسكم. لم تعودوا ترون نقاط ضعفكم، لم تعودوا تعالجون مشاكلكم. كلما دق الكوز بالجرة تستشهدون بذلك الخبير الأجنبي الذي درس أوضاعكم وطلع بوصية واحدة: أبقوا كما أنتم. تعتقدون أنفسكم أعجوبة العالم، وقد صرتم محط كثير من سخرية العالم. حرب سبعة عشر عاماً لم تنته من دون اتفاق الطائف. شبه حرب 2007 لم تنته من دون اتفاق الدوحة. إن كان لديكم بعض الأمن، فالفضل فيه لغيركم.

¬ المواطن: لكن حبنا لك، لوطننا، للبنان، يجعلنا نجترح العجائب والمعجزات. ألا يقال إن اللبناني ذكي، كيفما رميته يأتي واقفاً.

}} لبنان: هذا كلام يدعو إلى السخرية. كفوا عن التقريق على أنفسكم. بقاء بلدكم مرهون بإرادة الخارج لا بإرادتكم. القطط تُرمى وتجيء واقفة على أرجلها. لا تتشبهوا بالقطط، ولا ببقية الحيوانات. تصرفوا مثل أناس ذوي عقل القرن الحادي والعشرين. ما زلتم في زمن لا أستطيع توصيفه. مظهركم يوحي بالتقدم. باطنكم هو في غاية التخلف والرجعية. تدعون أنكم عاصمة الثقافة، بينما أنتم عاصمة السخافة.

¬ المواطن: لا تزيدها علينا. نحن نحبك يا لبنان.

}} لبنان: أنتم لا تحبونني. أنتم تحبون طوائفكم وجيوبكم. ليس غريباً تحالف الطوائف والجيوب.

على كل حال أنت لست مواطناً. أنتم رعية للطائفة، عبيد لها. توقف عن الكلام الآن. خسئت أنت وربعك. عندما تصير مواطناً شريكاً في دولة لا في طائفة يمكن متابعة الحديث.

هذه هي المرة الأخيرة التي أتحدث فيها معك. تعبت وأنا أرجو الآخرين من دول العالم الكبرى الاهتمام بكم. تعبت من التوسل إليهم. لم تتعبوا من التسول منهم.

¬ المواطن: نحن أحرار، نروح ونجيء كيفما شئنا. نقول ما شئنا. الحرية طبعنا.

}} لبنان: هنيئاً لكم بما تزيفونه لإرضاء غروركم.

لن أدافع عنكم بعد الآن.