مثلما وقف آل الصباح الى جانب آل سعود في أيام المحن، وقف آل سعود أيضاً، عبد الرحمن بن سعود حين هزم امام ابن رشيدو في معركة حريملاء عام 1309 هجري لجأ الى الكويت وتوفي فيها بعدما عاد الى الرياض وتنازل عن القيادة لابنه عبد العزيز، مؤسس المملكة.
وحين غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت، وأعلن تحويلها الى محافظة عراقية، توجه الامير جابر الأحمد الصباح الى السعودية (2 آب 1990)، وكان مؤتمر جدة الشهير قبل ان تعيد «عاصفة الصحراء» البلاد لأهلها…
العلاقة بين البلدين قائمة على الاحترام الشديد، لا منافسة على الزعامة أو على الدور، ولا تبعية، واذ غاصت المملكة في الأزمة السورية، كما في الأزمة العراقية، وأعلنت «عاصفة الحزم» في اليمن، بقيت الكويت، والى حد كبير، بعيدة عن ان تحرق أصابعها في تلك الصراعات العبثية.
في مقالة سابقة كنا قد أشرنا الى اتصالات تقوم بها الديبلوماسية الكويتية من أجل وقف لعبة الخنادق بين الرياض وطهران والانتقال الى لغة الحوار، ما يمكن التأكيد عليه في هذا المجال، وكخطوة متقدمة، ان العاصمتين تجاوبتا مع هذا المسعى، توجه وزير الخارجية صباح الخالد الى طهران حاملاً رسالة من الامير صباح الأحمد الى الرئيس حسن روحاني حول العلاقات الخليجية – الايرانية.
نتوقف عند الصحافي الانكليزي روبرت فيسك الذي اذ لاحظ المنحى العدمي للصراع الجيوسياسي بين البلدين، كان هناك في القاهرة من يرفع الصوت في وجه التأويل العدمي للنص الديني الذي تحول على يد فقهاء هذا الزمان (أم زبانية هذا الزمان؟) الى نص ايديولوجي، مع ما لذلك من تداعيات هائلة على ارض الواقع…
البداية من سوريا حيث كان التنسيق السعودي البعيد المدى مع تركيا من اجل ازالة نظام بشار الاسد واحلال نظام بديل محله. ولعل المثير هنا أن البلدين اللذين تعاونا استخباراتياً ولوجستياً وحتى ميدانياً الى أبعد الحدود على المسرح السوري لم يضعا تصوراً مشتركاً للنظام البديل…
الأتراك كانوا يريدون تولية «الاخوان المسلمين» على سوريا، لذلك كانت الشرارة الاولى من مدينة درعا الأقرب الى مدينة اربد الاردنية معقل الجماعة، والسعوديون كانوا يريدون نظاماً مرتبطاً بهم وبعيداً بطبيعة الحال، عن «الاخوان».
هذا في حين تدخلت اصابع كثيرة، ومليارات كثيرة، في سوريا، حتى ان المبعوث الأميركي روبرت فورد لم يتردد في القول للفرنسي اريك شوفالييه «متى تأتي اللحظة التي نخرج فيها من هذا المستنقع؟».
الايرانيون الذين طالما اعتبروا ان المنطقة التي تمتد الى شاطئ المتوسط هي مداهم الحيوي، ومن زمن الأخمينيين (القرن الثالث قبل الميلاد) الى زمن الخمينيين (والآن الخامينئيين) استفادوا حتماً، وعبر تلك الديناميكية الايديولوجية المتأججة، من حالة الفراغ، بل من حالة الخواء، في المنطقة العربية ليخترقوا الخريطة من ادناها الى اقصاها…
لا مجال للتشكيك بدورهم في مساعدة المقاومة في لبنان والتي حققت انتصاراً تاريخياً (وفريداً) حين دحرت الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي، ودائماً بالتنسيق مع السوريين…
وليس سراً ان القيادة السعودية، ولدى موافقتها على اسقاط الرئيس العراقي صدام حسين، اشترطت على جورج دبليو بوش اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، الرياح مضت في اتجاه آخر الى ان انفجرت الأزمة في سوريا ودخل الكل من كل الابواب…
الايرانيون حركوا الأرض في اليمن، كعملية تكتيكية للضغط على السعوديين في سوريا، وكان الغرق السعودي الرهيب في تلك التضاريس الجغرافية والقبلية وحتى المذهبية، ودون ان تنجح البهلوانيات الاعلامية (على طريقة فيصل القاسم الغريبة العجيبة) في حجب الواقع المرير هناك…
المليارات تتهاوى هناك، العظام ايضاً. الكارثة في اليمن أبعد من التصور، الى متى الحرب؟
السعوديون والايرانيون الذين يراقصون، حتى في الصراع الجيوسياسي، الغيب، ولطالما تحدثنا عن رقصة التانغو مع العدم، اكتشفوا، في نهاية المطاف، انهم ليسوا هم الذين يضعون الخرائط، ولا هم من يصوغون قواعد اللعبة…
لا طريق الآن سوى الحوار، وان كان السؤال الذي لا بد منه: متى استطاع العرب ان يصنعوا النظام (او المنظومة) الاستراتيجية لحماية أمنهم؟
ثقافة القبيلة هي التي قادت الى ذاك الخراب الميثولوجي ولا تزال…