IMLebanon

حوار بين «الرئيس» و«المرشّح»!

رحّل التدخل السوري الحاسم «جنرال» المواجهات الصعبة الى المنفى الباريسي. بعد 15 عاماً من النضال عن بعد، عاد الى المربع الأحبّ الى قلبه: «مربّع الزعامة المسيحية». بعدها لم يستكن ولم يهدأ. خاض حروبا، محقّة بنظره، وعبثية بنظر خصومه. ناكف الجميع، ثم عاد وصالحهم، إلا سمير جعجع.

الحبكة الإقليمية نفسها، قادت «الحكيم» الى زنزانات وزارة الدفاع لمدة 11 عاماً، ليخرج بعدها حالماً باستعادة السطوة القواتية، بالسياسة هذه المرة، على مربّع الزعامة نفسه.

أخفق كثيرا، وأصاب قليلا. لكن المؤكّد انه ربح كبرى معاركه حين اعترف به ميشال عون منافِسا أوحد له على حلبة رئاسة الجمهورية بعد أشهر من الممانعة ورفض قبول المنازلة مع مَن يعتبر أنه ليس أهلا لها.

ردّد البطريرك نصر الله صفير دوما، في عزّ انقسام رعيته بين خطابَين مسيحيَّين، وقبل أن يتبنى علناً المشروع السياسي لقوى «14 آذار»: «لم ينسوا ولم يتعلّموا». في سرّه، وفي العلن، يقول البطريرك بشاره الراعي العبارة نفسها.

تَعِب البطريركان فعلا من خلافات عون وجعجع. الاول صار بطريركا سابقا ولم يفلح في جمعهما على الطاولة نفسها. الثاني لا يزال يحاول. كثر يؤكدون ان طيف بكركي واكب مهمّة ترتيب اللقاء المنتظر اليوم بين الرجلَين.

يسجّل التاريخ القريب دليلا ملموسا على تنسيق مشترك بين عون وجعجع عندما أنشأ الشيخ بشير الجميل، بصفته قائد «القوات اللبنانية»، هيئة «للتخطيط المستقبلي» برئاسة مستشاره آنذاك أنطوان نجم وعضوية الضابط في الجيش اللبناني ميشال عون وقائد «الجبهة الشمالية» في «القوات» سمير جعجع.

اجتمع الثلاثة 3 مرات، ولم يخرجوا بأي نتيجة لأن عون وجعجع كانا يختلفان على الفاصلة والنقطة، والنفور بينهما كان أكبر من أن تتمّ محاصرته. كان ذلك في أوائل الثمانينيات. الفشل نفسه انسحب على محاولتهما اليتيمة، بعد صعود جعجع الى اليرزة، لتفادي أزمة ما بعد نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل وقطع الطريق على معادلة «مخايل الضاهر او الفوضى».

شريط من المواجهات السياسية والعسكرية بين الخصمَين اللدودَين، انتهى بلقاء وجداني في زنزانة وزارة الدفاع بعد عودة «الجنرال» من المنفى وقبل إقرار قانون العفو عن جعجع.

قبله بيوم واحد التقى عون في الرابية ستريدا جعجع. توجّهت إليه أمام الاعلاميين بالقول: «جئنا باسم الحكيم لنؤكّد طي صفحة الماضي، ولنؤسّس للحاضر والمستقبل بمعارضة واسعة، خصوصاً بعد انتهاء مرحلة الوصاية السورية».

جواب «دولة الرئيس» صبّ في الإطار نفسه «طوينا صفحة الماضي الذي نتذكره ونأخذ العبر منه. ومن لا يتطلّع الى الأمام يقع في أول فخ ينصب له»، آملاً «أن يكون الحكيم بيننا في أقرب وقت ممكن»!.

صار سمير جعجع في معراب، لكن هذا الانتقال دشّن مرحلة جديدة من الصراع المسيحي الذي اتخذ أكثر من عنوان. يتفقان او لا يتفقان على اسم ثالث، أو على عون نفسه، ليست المسألة هنا. فالارجح الفشل ثالثهما. القصة تكمن في الصورة نفسها.

بعد لقاءات متقطعة خلال جلسات الحوار الوطني في مجلس النواب وفي قصر بعبدا، لم يجد رئيس اكبر تكتل مسيحي والحليف المسيحي الاول لـ»تيار المستقبل» اي فائدة من الجلوس وجها لوجه لبحث أمر الحكومات او قوانين الانتخاب، او التعيينات المسيحية، أو الخطر الذي يتهدّد المسيحيين في المنطقة وفي لبنان من الحركات التكفيرية والارهابية.

صورة نادرة لغداء يتيم قبل نحو اربع سنوات جمعت الرجلَين في أحد مطاعم وسط بيروت، إثر انتهاء احدى جلسات الحوار. يومها تناولا الطعام من الطبق نفسه، ثم عادا الى مواقعهما بكامل عدّة الاستنفار.

لكن الرئاسة الضائعة منذ نحو مئتي يوم، وجسور الحوار التي يعاد وصلها بين الضاحية وبيت الوسط، تكفّلت بدفع الخصمَين المسيحيَّين الى إعادة حساباتهما.

لا بد من التذكير هنا ان جعجع لَمَّحَ أكثر من مرة الى ضرورة ترتيب لقاء من هذا النوع، وانتهى بقوله: «يا جنرال لنجلس معا»، بعد ان سبق ودعاه الى النزول الى ساحة النجمة. الجديد إعلان «الحكيم» عن نيته التوجّه «حافيا» الى الرابية إذا كان من شأن ذلك ان يضع حدا للفراغ الرئاسي!

ثمّة واقع يفرض نفسه هنا. ففي مقابل السلاسة التي تمكّنت من خلالها قيادات «تيار المستقبل» و»حزب الله» من أقناع جمهوريهما بالاسباب الموجبة للحوار الثنائي، يصعب رصد هذه الايجابية في صفوف الشارعَين العوني والقواتي. «حيطان» مواقع التواصل الاعلامي شاهدة على ذلك. وها هو النائب انطوان زهرا ينعى الحوار قبل ان يبدأ، منتقدا الندب والمناحة على حقوق المسيحيين، وحاملا على مشروع عون السلطوي!

على المستوى من فوق، هو جعجع نفسه الذي قال يوما بأن «طيّ الجنرال صفحة العداء الدموي مع سوريا، أكثر سهولة لديه من وضع يده في يد القوات»!. أما عون الذي رأى دوما ان التحاق جعجع بالمحور السني لا يفيد الوضع المسيحي، فقد تفادى في كل لحظة تلك الصورة التي تظهر خصمه المسيحي الاول يشاركه قرار الرئاسة!.

عمليا، لا شيء سيضيفه «الجنرال» ورئيس «حزب القوات» في خلوتهما المرتقبة الى ما صار كلاما معروفا ومستهلكا على المنابر. قبل «لقاء الصورة» قال الرجلان تقريبا كل شيء. رفع عون السقف أكثر وصار يقايض بين الجمهورية نفسها وبين الرئاسة، مع التسليم بأن بدء التفاوض حول الجمهورية، المختلّة التوازن، سيشمل الرئاسة أولا بمرشّحها القويّ وصاحب الحيثية المسيحية. جعجع يحصرها بين خيارَين: ننزل معا الى مجلس النواب لنتواجه، او نتفق على مرشح ثالث.

وبغضّ النظر عن الوسطاء الذين دخلوا على خط تقريب المسافات، من الذين تطوّعوا من تلقاء أنفسهم أو كلّفوا بالمهمّة، فإن حلفاء الطرفَين يتصرّفون على أساس أن زمن العجائب قد ولى، وان توافق عون وجعجع على اسم الرئيس المقبل يبدو ضربا من الخيال.

موقف الرئيس امين الجميل يبدو الاكثر وضوحا. رئيس «حزب الكتائب» بحكم المتيقّن أن حوار الموارنة الثنائي لن يغيّر حرفا في المعادلة، وإن اتفقا، فلن تحلّ مشكلة الرئاسة.. بما إن العقدة اصلا ليست مسيحية!