الجلسة الأولى «تافهة».. والثانية أمام اختبار الجدية
الحوار بين محاصرة الشارع وانتظار الفرج الخارجي
غداً الجلسة الثانية للحوار. وربما الأربعاء المقبل سيكون موعد الجلسة الثالثة. وقد يطول العد ما دام أهل الطاولة باقون على مواقفهم. الجلسة الأولى سحبت حماسة الرئيس نبيه بري سريعاً. من كان يعد بتحويل طاولة الحوار إلى ورشة وطنية تعقد صباحاً ومساءً، حدد موعد الجلسة الثانية بعد أسبوع، وصار يدعو إلى الصبر، رافضاً «إصدار الأحكام القاسية والمسبقة على الحوار، قبل أن يأخذ مداه وفرصته».
تكثيف الجلسات لا يفيد إلا في تكثيف الفضيحة. لا أحد من المتحلّقين حول الطاولة يملك شيئاً ليقوله أو يقدمه. البيان الصادر عن الجلسة الأولى بدا مضحكاً، وواعداً بالفشل. هو الفشل نفسه الذي بدا على وجوه كل «الزعماء» الخارجين من مجلس النواب ومعظمهم لا حول له ولا قوة. كثر يعرفون ويرددون أن الطاولة، في الأساس، لا يجب أن تستوعب أكثر من خمسة أشخاص أو ستة على أبعد تقدير. حشو الكراسي بأسماء لا تقدم ولا تؤخر في المعادلة السياسية، دليل آخر على الفشل المقبل، والمرتبط أساساً بفشل النظام المحكوم بقاعدة 6 و6 مكرر.
حسناً انتهت الجلسة الأولى. ولم تحتج لمن يهزأ بها من المعتصمين الذين تجمعوا رفضاً لها. «تافهة» كانت أبسط الكلمات التي وصف بها الجلسة أحد المشاركين في الحوار. لكن أحداً لن يكون بإمكانه أن يتخيل كيف سيكون البيان رقم 2؟ ماذا سيقول المجتمعون لمن ما يزال يؤمن أن «الحل ليس في الشارع»، بعدما سبق وقالوا لهم في البيان الأول إنهم «عرضوا وجهة نظرهم من القضايا المطروحة»؟.
ربما تكون فكرة الحوار نفسها سابقة على التحركات الشعبية، لكن الأكيد أن نضوجها وموافقة كل الأطراف عليها تزامن مع كسر الناس لحاجز الخوف. وعليه، لا يجد أهل الحراك في الحوار سوى غاية واحدة: السعي لمحاصرة الشارع أو تنفيس احتقان الناس، بعدما فشلت الحكومة في تقديم أي إجابة على كل الأسئلة التي طُرحت شعبياً. ما الحل إذاً؟ لا بديل عن إطار يسعى إلى مقاربة المواضيع العالقة بمنطق جامع.
المشكلة التي تواجهها «طاولة الحوار» تبدو بنيوية، فهي مبنية على مجموعة من التناقضات، التي أدت إلى فشل كل الحوارات السابقة، وستكشف سريعاً أن الحوار الحالي أعجز من أن يقدم أي إنجاز، إلا لمن يعتبر أن مجرد تلاقي كل هذه الأضداد هو «الإنجاز».
مع ذلك، فإن إرادة الحوار ما تزال قائمة، ليس لشيء سوى لعدم قدرة أي من الكتل الأساسية على تحمّل مسؤولية إفشال الحوار، في الشكل. بالرغم من أن الجميع، في المضمون، يتحمل مسؤولية إفشاله، لا سيما أن الجلسة الأولى لم تحمل أي فكرة جديدة أو خروج عن المواقف المعروفة للجميع، يمكن البناء عليها.
لا إجابة واحدة عند أهل السلطة عن الإنجازت الممكنة، طالما أنهم أنفسهم يؤكدون أن باب الرئاسة مغلق بقرار خارجي، كما يؤكدون أنهم بقدراتهم الذاتية الداخلية غير قاردين على فتح هذا الباب. وعليه، هل الوظيفة السياسية للحوار هي التهيئة الداخلية لقرار خارجي سيأتي عاجلاً أم آجلاً؟ وهل هذه التهيئة تخرج عن إطار التقارب الشكلي، بما يعطي الداخل هامشاً، ولو ضيقاً، للتأثير في القرار؟
من تابع الجلسة الأولى، يخرج بانطباع لا يتعدى سعي المتحاورين إلى تخفيف الهوة بينهم، بما يسمح، لو نضجت الظروف الخارجية لانتخاب الرئيس اللبناني، أن يكونوا قادرين على ترجمة هذا الاتفاق محلياً بقدر أقل من التسليم، وبدون إحراج الهرولة لتجميع بعضهم البعض. فهل رأى أهل السلطة إشارات توحي باقتراب موعد الاستحقاق؟ لا أحد يؤكد ذلك أو ينفيه، لكن التوقيت يربطه البعض بتغييرات دولية في طريقة التعامل مع الاستحقاق الرئاسي بدأت تظهر تباشيرها. في الثالث من أيلول الحالي دعا مجلس الأمن، بعد اجتماع مغلق خُصص لمناقشة الوضع اللبناني، إلى «ضرورة ان يلتئم البرلمان وينتخب رئيساً للجمهورية في أسرع وقت ممكن لوضع حد لحالة الاضطراب الدستوري». قبل ذلك كانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، التي كانت خلف الاجتماع الأممي، تؤكد على ضرورة «الخروج من الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير إضافي في لبنان». كما أن زيارة الرئيس الفرنسي، التي لم يحدد موعدها بعد، وإن كان يرجح حصولها في بداية الشهر المقبل، لا يمكن أن تتم لولا وجود تقدم ما في الملف الرئاسي. خاصة أن فرنسا، تعمل منذ مدة على هذا الخط، وفي أكثر من اتجاه. وهو ما أكده أمس السفير الفرنسي ايمانويل بون الذي كشف عن «عمل مشترك تقوم به باريس مع شركائها الدوليين والإقليميين من ضمن المجموعة الدولية لمساعدة لبنان التي ستجتمع نهاية الشهر في نيويورك».
مع ذلك، لا أحد يمكنه الجزم ما إذا كانت هذه التحركات ستؤتي ثمارها سريعاً أم لا، ما دام المفتاح الأول للباب الرئاسي الموصد هو التقارب السعودي الإيراني، الذي ينتظر نجاح اللقاءات الإيرانية الخليجية التي تُعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وإلى ذلك الحين، ومع توقع استمرار انعقاد الحوار بوتيرة هادئة لا تحرق المراحل، ولا تفضح إفلاس السلطة السياسية، فإن الرئيس نبيه بري ما يزال يعوِّل على أن يُحدث الحوار خرقاً في المراوحة الداخلية، ولا سيما في بندي آلية عمل مجلس الوزراء وفتح أبواب المجلس النيابي، إلا أن هذا الخرق يعوزه أولاً تخطي عقبة رفض «تيار المستقبل» مناقشة أي بند عدا بند رئاسة الجمهورية. إلا إذا كان ذلك سيُنجز على هامش الطاولة، كما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي أقرت خطة النفايات.