IMLebanon

حوار «تهدئة الأعصاب»: جدول أعمال… ولكن

قبل انقضاء السنة التأم الحوار الاول والمباشر بين تيار المستقبل وحزب الله منذ اطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري. لا يتوهم المتحاوران مما يتوقعانه، وليسا مستعجلين على ملفات أكثر من متأخرة لا يحملان مفاتيحها

خلّفت الجولة الاولى من حوار تيار المستقبل وحزب الله اصداء اتسمت بالايجابية، عوّلت على استكماله اكثر منها ترجيحها نتائج ملموسة وجدية في الملفات الوفيرة التي يختلف عليها الطرفان. باستثناء رغبتهما في تبريد العلاقات السنية ــــ الشيعية وتجنيبها الاحتقان المذهبي، يكاد لا يلتقيان على اي من الملفات الرئيسية الملحة.

يصح ذلك على انتخابات رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب واسلوب ادارة حكومة الرئيس تمام سلام وصلاحياتها، مقدار ما يصح على الموقف من الحرب السورية وتدخلهما المتفاوت فيها، وعلى معالجة ملف النازحين السوريين، وسلاح حزب الله، كما على السياسة الخارجية التي لا تجعلهما يساويان في تقييم موقفي الرياض وطهران من لبنان. في حساب كل منهما على نقيض من الآخر، احداهما ملاك والاخرى شيطان. لا يتفق المتحاوران كذلك على طريقة مقاربة خطف العسكريين والتفاوض ونطاق المقايضة وسبل اطلاقهم، ولا على تفسير واحد للارهاب كما على تبرير وصول التيارات التكفيرية والارهابية الى الاراضي اللبنانية وتحوّلها جزءا لا يتجزأ من الصراع الداخلي. ناهيك بعدد لا يحصى من الملفات الداخلية المتشابكة الاقل اهمية، والمستعصية الحل بدورها. ليست سلة المشكلات هذه، المتراكمة، الا استمرارا لمسار الصراع المحتدم بين فريقي 8 و14 آذار ما دام المتحاوران رأسي حربتهما.

لا تعني تلك الجردة سوى استنتاج طبيعي وحتمي، هو ان تنفيس الاحتقان السني ــــ الشيعي يصبح أهون الملفات القابلة للتفاهم عليها. يكفي ان يلتقيا مرة تلو اخرى الى طاولة حوار وجها لوجه، بجدول اعمال ذي شأن او من دونه، كي يفصحا في الظاهر عن رغبتهما في انهما لا يريدان تسعير الشارع.

في سبيل ذلك اطرت مواقف حلفاء الطرفين طاولة الحوار فحسب. عوّلوا على الاجتماع لا على الاتفاق. الامر الذي يحمل متتبعين عن قرب مرحلة التحضير لحوار الثلثاء على ابراز بضع ملاحظات نجمت عن مداولات اليوم الاول:

اولاها، ان اهمية حوار لبناني بين الطرفين الاكثر تمثيلا لموازين القوى الداخلية والاحتدام السني ــــ الشيعي في المنطقة، تكمن في مدى مواكبته حوارا اقليميا مماثلا تقوده المرجعيتان اللتان يرتبط الفريقان المحليان بهما، وهما السعودية وايران.

لا جدوى من حوار داخلي

لا يواكبه حوار اقليمي

الا ان واقع ما حدث اخيرا لا يعكس تزامن حوارين محلي واقليمي، بل اظهر اجتماع تيار المستقبل وحزب الله على انه مبادرة مستقلة في ذاتها، تحظى بتشجيع خارجي من دون ان يوجّه مسارها في اي حال او يحدد برنامجها، او يتوقع تبعا لذلك وصولها الى تسوية ما. لا حوار ايرانياً ـ سعودياً وشيكاً، ولا العلاقات المتنافرة بين البلدين تتسم بالايجابية وابداء الرغبة في مناقشة الملفات الساخنة في المنطقة.

واقع الامر ان التحركين الاخيرين، الايراني في بيروت بزيارة رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني والسعودي في الرياض باستقبال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وما قيل فيهما، افصح مجددا عن ان العاصمتين ــــ بعدما اعاد الزوار هنا وهناك تأكيد المواقف المتصلبة ــــ تقاربان الاستحقاق الرئاسي عن بعد ليس الا. ليستا مستعجلتين على بته، وتكتفيان بالحض على الاستقرار. بذلك تقصران الدعوة على اطفاء الاحتقان المذهبي في الوقت الحاضر على الاقل.

ثانيها، وفق ما ابداه سفراء غربيون بارزون على هامش لقاءات المعايدة في الاعياد، وجدوا في حوار الثلثاء افضل مقومات «تهدئة الاعصاب». اعتبروه مفيدا وايدوه، الا انهم شددوا على الاخذ في الاعتبار عاملين لا يسع احد تجاهلهما: الاول ان حوارا داخليا لا يسعه ان يسبق حوارا اقليميا، والثاني تعذر فصل الملفين اللبناني والسوري احدهما عن الآخر وفصلهما خصوصا عن التسوية الايرانية ـ السعودية.

ثالثها، ان الجولة الاولى لم تفضِ سوى الى تحضير جدول اعمال الجلسات اللاحقة، وتركزت بنوده على: سبل تثبيت موقف مشترك من الارهاب في ضوء قراءات متناقضة للاحداث الامنية في طرابلس والشمال وعرسال، تفعيل العملين الحكومي والنيابي اللذين يُعنى بهما الطرفان على السواء، الخوض في الاستحقاق الرئاسي بحذر تفاديا لاي ايحاء بوضع يديهما عليه ما يثير حفيظة الافرقاء المسيحيين المعنيين، اضف الموقف المعلن لحزب الله من انتخابات الرئاسة، وهو انه يترك مناقشتها لمرشحه الوحيد الرئيس ميشال عون. وما قاله وفد الحزب امس في بكركي وتأكيد تمسكه بترشيح عون، يكرّس ذلك الموقف ونأيه بنفسه عن البحث فيه مع اي احد. الا انه يعني كذلك ايصاد الابواب حتى اشعار آخر امام اي خيار لديه سوى رئيس تكتل التغيير والاصلاح.

رابعها، لن تقتصر طاولة الحوار على تيار المستقبل وحزب الله فحسب، بل سيكون الوزير علي حسن خليل ثالثهما اليها ممثلا رئيس المجلس نبيه بري، الحاضر دائما في مراحله اللاحقة بغية توفير مظلة الامان لاستمراره، والحؤول دون ما يمكن ان يتسبب بتصدعه. يتعيّن على معاون رئيس المجلس، بعد انقضاء الاعياد، معاودة الاتصال بالطرفين لتحديد موعد الجولة الثانية التي ستباشر الخوض في جدول اعمال تنفيس الاحتقان ليس الا.