في 24 كانون الأوّل من العام الماضي إنعقدت أوّل جلسة حوار بين مُمثّلين عن كل من «تيّار المُستقبل» و«حزب الله» لتنكسر معها قطيعة سياسيّة دامت نحو أربع سنوات بين «رأسي حربتي» المُواجهة المحلّية ـ الإقليمية في لبنان. ومع الجولة الثانية مطلع العام الحالي، إنتقل الحوار من العُموميّات والخطوط العريضة إلى البحث التفصيلي في جدول الأعمال، وإلى سُبل تنفيذ ما سيتمّ التوافق عليه. ومع الجولتين الثالثة والرابعة تركّز التوافق خصوصاً على ضرورة مُعالجة مشكلة الصور والرايات واللافتات الحزبيّة والمذهبيّة، والتي لا يُساعد إنتشارها في تعميم أجواء تنفيس الإحتقان من الناحية الميدانية، إضافة إلى إتخاذ القرار بأن تشمل الخطّة الأمنية كلّ المناطق اللبنانيّة من دون إستثناء. وفي الجولة الخامسة كان التوافق على ضرورة معالجة ظاهرة إطلاق النار في الهواء بأسلوب مُتشدّد ومن دون إستثناءات، إضافة إلى إستكمال تنفيذ ما إتفق عليه في الجلسات السابقة، لجهة توسيع دائرة إزالة الشعارات الحزبيّة وتوسيع دائرة «الخطّة الأمنيّة» لتشمل البقاع وغيره من المناطق. وشهدت الجولة السادسة من الحوار بين ممثّلي كل من «تيّار المستقبل» و«حزب الله»، بحثاً مُستفيضاً بشأن مسألة «الإستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الإرهاب» من دون الوصول إلى نتائج حاسمة، باستثناء التوافق على دعم الجيش والقوى الأمنيّة الرسميّة في مختلف مواجهاتها مع الجماعات المُسلّحة الإرهابيّة، إن على الحدود أو في الداخل. وفي الجولة السابعة من الحوار تناول البحث مسألة إستكمال تنفيذ «الخطة الأمنيّة»، وكذلك مسألة تعثّر إنتخاب رئيس جمهورية وسُبل معالجة هذه المُشكلة التي تؤثّر سلباً على مختلف العمليّة السياسيّة الداخليّة. ومع جولة يوم أمس في عين التينة، والتي إستكمل فيها بحث مواضيع سبق التطرّق إليها، يكون مُمثّلو كل من «تيّار المُستقبل» و«حزب الله» قد عقدوا ثماني جولات كاملة من الحوارات الثنائيّة، بمشاركة المُعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، الوزير علي حسن خليل. فما الذي تحقّق حتى تاريخه، وما الذي لا يزال عالقاً، وهل سيتواصل الحوار؟
بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ الجولة الثامنة من الحوار عُقدت في ظلّ أجواء مُتشنّجة بعكس الجولات السابقة، وذلك نتيجة مواقف عالية السقف سبقتها، وجاءت على لسان كل من رئيس «تيّار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ورئيس «كتلة المُستقبل النيابيّة» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وغيرهما، والتي قابلتها رُدود مُتشدّدة أيضاً من جانب كبار مسؤولي «حزب الله»، ومنها حديث رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد عن خيار من إثنين، فإمّا «إلتزام الحوار… أو نذهب كل منا في سبيله»، وكذلك حديث رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد إبراهيم أمين السيّد عن «الداعشيّة السياسيّة في لبنان» عند تناوله مواقف قوى «14 آذار» الأخيرة. وقد إستدعى هذا الأمر تدخّلاً مباشراً من قبل الوزير الخليل لترطيب الأجواء، ولإعاة تصويب بوصلة الحوار ككل، تحت سقف العنوان العريض: تخفيف الإحتقان.
وبالنسبة إلى ما تحقّق بعد ثماني جولات من الحوار، وما لم يتحقّق أيضاً، أكّدت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّ الطريق أمام طيّ صفحة الخلافات بين «تيّار المُستقبل» و«حزب الله» لا يزال طويلاً جداً، حيث أنّ الإنجازات بعد ثماني جلسات حوار لا تزال مُتواضعة، وتكاد تقتصر فعلياً على إزالة شعارات وأعلام حزبيّة ما كانت لتُعتبر إستفزازيّة لولا أجواء الإحتقان السائدة بين مناصري الطرفين. وأضافت هذه الأوساط أنّه حتى مسألة توسيع الدائرة الجغرافيّة للخطّة الأمنيّة والتي تُعتبر من إنجازات الحوار، فقدت جزءاً من بريقها نتيجة الإعلان المُسبق عن توقيت تنفيذها، الأمر الذي أفقدها قسماً مِمَا كان يُمكن تحقيقه، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّ هذا الإعلان المُتعمّد هدف إلى منع حُدوث مواجهات أمنيّة وسقوط ضحايا فيما لوّ جرى تطبيق الخطّة بشكل مفاجئ. وبالنسبة إلى ما حُكي عن تحقيق تقدّم كبير على مستوى مسألة تخفيف الإحتقان السنّي ـ الشيعي، قالت الأوساط السياسية نفسها أنّ هذا الأمر نسبيّ، لأنّه بمجرّد أن صدر تصريح تصعيديّ من هنا أو هناك حتى عادت الخطابات المُتشنّجة بين الطرفين، قبل أن يتدخّل أكثر من طرف لوقف التراجع الجديد! وهذا يعني بحسب الأوساط، أنّ عمليّة تخفيف الإحتقان لا تزال تحتاج لفترة زمنيّة لتطبيعها. وأضافت أنّ مسألة تحديد آلية لانتخاب رئيس للجمهوريّة لا تزال عالقة بدورها، علماً أنّها من المسائل الرئيسة للحوار وبأهمّية مُوازية لمسألة تخفيف الإحتقان، ما لم تكن تفوقها.
وتابعت الأوساط السياسيّة بالإشارة إلى وجود مسائل خلافيّة أساسيّة جرى تحييدها عن طاولة البحث حتى الساعة في محاولة لإنجاح الحوار، وهي تتناول مآخذ «تيّار المُستقبل» على «الحزب» لجهة مسألة إستمرار دعم وتمويل «سرايا المقاومة»، وإستمرار تدخّل «حزب الله» في سوريا، وقضيّة سلاح «الحزب» في الداخل، ومسألة رفض الإعتراف بالمحكمة الدَولية وتسليم المُتهمين، إلخ. وأضافت الأوساط السياسيّة أنّ «حزب الله» لديه بدوره سلسلة مآخذ على «التيار الأزرق» وضعها جانباً، وفي طليعتها مسألة تموضع «تيّار المُستقبل» إزاء الأزمة في سوريا، وعدم قراءة المخاطر المحيطة بلبنان بشكل صحيح، وإستمرار التحريض الشعبيّ ضدّ «الحزب»، إلخ. وأكّدت الأوساط أنّ هذا الأمر يدلّ على أنّ التباعد بين الطرفين عميق جداً، حيث أن البحث لا يزال في أمور عامة وبديهيّة، حيث لم يتطرّق بعد إلى الأمور الخلافيّة الأساسيّة.
وبناء على ما تقدّم، لفتت الأوساط السياسيّة إلى أنّ ما يجري حالياً هو نوع من «ربط النزاع» ـ إذا جاز التعبير، خاصة وأنّ بعض الأمور صعبة ومعقّدة ومتداخلة مع مشاكل إقليميّة متشعّبة بشكل يفوق قدرة المتحاورين على حلّها. ولفتت الأوساط السياسيّة إلى أنّ معالجة حقبات سوداء في تاريخ لبنان الحديث ساعد على عقد جلسات الحوار، ومنها تشكيل الحكومة برئاسة عضو في كتلة «لبنان أوّلاً» والتي طويت معها صفحة الشعور بالغبن التي طالت جزءاً كبيراً من الطائفة السنّية نتيجة إبعاد التيّار الأوسع تمثيلاً فيها بحسب نتائج الإنتخابات، أي «تيّار المُستقبل»، عن الحُكم، عبر إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، ومنها أيضاً إنهاء المعارك في طرابس بشكل حاسم، ومنها كذلك الأمر جدّية تعاطي وزير الداخلية نهاد المشنوق المُنتمي إلى «تيّار المستقبل» مع موضوع الشبكات الإرهابيّة في الداخل اللبناني. وختمت الأوساط السياسيّة بالتأكيد أنّ النيّة موجودة بمتابعة الحوار، على الرغم من أنّ القليل تحقّق وبقي الكثير، لأنّ ذلك أفضل من القطيعة برأي الطرفين المعنيّين، خاصة وأنّ أحداً لا يتوقّع حصول مُعجزات بشكل سريع، وبالتالي لا خوف من خيبات أمل على المُستوى الشعبي، مهما تعدّدت جولات الحوار ومهما طال زمانها.