IMLebanon

حوار «طرشان»

يقفل العام 2014 على بشرى إلى اللبنانيين. بشرى الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله». حوار مبرور ومشكور، ولا داعي لتفنيد إيجابياته، وهو كأي حوار أفضل من عدمه. الطرفان يمثلان طرفَي استقطاب سياسي، ورفعا بين أنصارهما حواجز «كراهية»، يصعب عليهما الالتفاف عليها. ولهذا يستغرق زعيما الفريقين وقتاً طويلاً في تجهيز أنصارهما للودّ الموعود. ويتنافسان في الإعلام لتبرير الانقلاب الايجابي.

مسار التقارب بين الفريقين تجاوز الاختبار السوري، وربط النزاع في مجلس الوزراء، الذي بات مجلساً رئاسياً بفضل التواطؤ غير المُعلن بينهما، وبين قوى أخرى. وتجاوز أيضاً عقدة التمديد للمجلس النيابي، ويبقى أن يتجاوز، عقدة الفراغ الرئاسي، فيدخل البلد في نعمة التفاهم الرباعي زائداً وليد جنبلاط، إن رضيت القوى الإقليمية المؤثرة بترك اللبنانيين لشؤونهم.

وبانتظار ما سيؤول إليه الحوار المتوقّع، يحطّ سمير جعجع في الرياض. وهُنا مفارقة سياسيّة، أن تكون الرياض أقرب لقائد القوات اللبنانية ممّا هي لـ»حزب الله»!

والمفارقة أيضاً في سرّ توجّه «الحكيم» إلى السعودية عشيّة كل استحقاق سيادي. فهو قبل أسابيع قليلة حطّ في المملكة خالي الوفاض، وعاد منها ببيعة بيّنة لقانون التمديد للمجلس النيابي. والجميع بانتظار عودته ببيعته الجديدة. وبالتأكيد فإنّ القدرات السعودية على الإقناع أكبر من أن تعدّ أو أن تحصى. وستمنح زعيم تيار «المستقبل» زخماً إضافياً لحواره المرتقب، إذا نجحت الرياض في إقناع حليفه الماروني بمباركته.

و»الحكيم» ليس بعيداً عن مجاراة الرياض في مسعاها، بعد المطالعة التي أدلى بها عن أنّ «المملكة لا تعني في لبنان أسرة الحريري فقط بل كميل شمعون وبيار الجميل». وبانتظار تحليل هذا الكشف السياسي التاريخي وتسجيل براءة اختراعه، مع براءة اختراع مقاومة حزب «الكتائب» لإسرائيل، التي كشف عنها أمين الجميل في جولته الجنوبية الأخيرة، يستطيع الحوار المرتقب أن يسجّل انطلاقة مُرضِية، على الأقل في الحوار الاستباقي الدائر حالياً بين أركان الصف الثاني بشأن موعد بدء الحوار وشروطه.

هذا في الشكل، أما في المضمون، فالأمر مختلف. خلافات «التيار» و «الحزب» لا تزال على حالها، من السلاح إلى الموقف من طهران وغيرها. ولكنهما بعدما استنفدا ربط النزاع، يتّجهان اليوم إلى تعزيزه، بحوار يمدّد فترة الانتظار المحلي ربطاً بالانتظار الإقليمي، الذي بدوره دخل مرحلة «تمديدات» في الملف النووي الإيراني والحرب على سوريا والمبادرة الروسية لمقاربتها.

وفي المضمون أيضا، فإنّ الحوار بين التيار والحزب مبني على منطلقات مختلفة. صحيح أنّ الطرفين يرغبان في ضبط الاحتقان المذهبي في الشارع المشترك، لكنها يصوبان من دون أدنى شك، على أهداف أخرى. ولن يضير «المستقبل» و «القوات» من خلفه، «زكزكة» الجنرال ميشال عون، لا بل إضعافه سياسياً لإنهاكه في السباق الرئاسي إلى بعبدا.

أما «حزب الله»، المحرج بانكشافه الإقليمي، فبات ميالاً لشراكات أوسع، تريحه ولو موقتاً في الداخل، وتغنيه عن الحاجة إلى أوراق وليد جنبلاط الحاسمة حتى اللحظة، ولو كانت الشراكة المستجدة تسبب الصداع لحليفه «الوجودي».

حوار مبني على رشى، ونكايات وشراء للوقت، يكون حوار «طرشان».