رحلة البحث عن رئيس الجمهورية مستمرة، لكن الطريق للوصول ما زالت مقفلة، ولا تزال مفاتيحها في يد جهات خارجية تتمسّك بها، وتستخدمها ورقة ضغط ومساومة في مفاوضاتها لرسم خريطة دورها ونفوذها في المنطقة. والجلسة الثالثة لطاولة الحوار التي تعقد اليوم برئاسة صاحب المبادرة للحوار الرئيس نبيه برّي لا يتوقع لها أن تصل إلى أي نتيجة تحدث ثغرة في هذا الطريق المسدود لأن مواقف المتحاورين المتباعدة ما زالت على حالها لم تتبدل ولم تتغير لأن الوحي الخارجي أو كلمة السر بإطلاق سراح الانتخابات الرئاسية لم يصدر بعد لا من واشنطن الملهية عن لبنان بشؤون أخرى، ولا من إيران التي هي أيضاً مشغولة بمفاوضات ما بعد الاتفاق النووي، ويدل مشهد وجود سفيرها في لبنان في حفل تنصيب الوزير جبران باسيل رئيساً للتيار الوطني الحر خلفاً لعمه النائب ميشال عون على أن طهران ما زالت ممسكة بالورقة اللبنانية، وبالتالي فهي ليست في وارد الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي قبل الحصول على كل أو معظم أهدافها كدولة إقليمية كبرى في المنطقة. والمتحاورون يعرفون، تماماً هذه الحقيقة ولذا يتصرف النائب عون على الطاولة وكأنه هو الرئيس ولا أحد سواه، مهما حاول الفريق الآخر المعارض له، إبعاد هذا الكأس عنه حتى ولو بقي لبنان من دون رئيس مُـدّة تطول أكثر بكثير من المدة التي عاشها لبنان ولأول مرّة في تاريخ بلا رئيس يجمع اللبنانيين حوله، ولا مجلس نواب يجتمع ويشرّع ويراقب ويحاسب، ولا حكومة تجتمع وتقرر وتصدر القرارات والمراسيم لتسهيل شؤون المواطنين وتفعيل أعمال الدولة، حتى الكلام الذي صدر مؤخراً عن الرئيس تمام سلام في شأن عودة مجلس الوزراء إلى عقد جلساته الاعتيادية لا يزال مشكوكاً في صحته، طالما لم يصدر حتى الساعة موقف للنائب عون وحليفه حزب الله مغاير عن مواقفه السابقة، سواء في آلية عمل مجلس الوزراء وسواء في انطلاق عجلة الحكومة قبل البت في ترقية العميد شامل روكز إلى رتبة لواء ليحفظ موقعه في المؤسسة العسكرية، ويتأهل بعد سنة ليتسلم قيادة الجيش إرضاء لعمه النائب عون الذي لا يرى الأزمات التي يمر بها لبنان وليس أزمة النفايات الا واحدة منها إلا من خلال الترقيات العسكرية من جهة، وكيفية تحقيق حلمه بالوصول مرّة ثانية إلى القصر الجمهوري في بعبدا رئيساً منتخباً للجمهورية وليس رئيساً لحكومة انتقالية تسد الفراغ ريثما يُصار إلى انتخاب الرئيس. ولا نذيع سراً بأن الأفرقاء الذين يتحاورون في ساحة النجمة يعرفون كل هذه الوقائع، بل يحفظونها على الغائب ومع ذلك يستمرون في الحوار بل في الجدل البيزنطي والبحث عن جنس الملائكة لأن هذا الحوار هو البديل الوحيد المتبقي لمنع أو تأخير الانفجار الشعبي الواسع الذي أخذت بوادره تظهر بنزول الشعب الموجوع إلى الشارع وإصراره على البقاء فيه إلى ان تتحسس الطبقة السياسية بهذه الأوجاع، فتتنازل لمصلحته عن بعض مصالحها الشخصية. إلا إذا دخلت على هذا التحرّك المصالح السياسية لهؤلاء ونجحت في حرف هذا الحراك الشعبي عن أهدافه الحقيقية، ويبدو أنها فعلت ونجحت نسبياً حتى الآن بدليل تعدد أهداف الحراك الشعبي ومشاريعه، واختلاف الأصوات حتى أنها بدأت وكأنها انعكاس لمواقف القوى التي تتحاور في ساحة النجمة ليس بهدف الوصول إلى حلول مفيدة بل حوار من أجل الحوار |