IMLebanon

حوار «المستقبل» ـ «حزب الله»

 

للحوار، أي حوار. لا بد من شروط ومستلزمات وإمكانيات وآفاق وأهداف مبتغاة. والحديث عن حوار (المستقبل حزب الله) وما يحمله من آمال واعدة ونتائج تنضح بالخير، على الأقل بالنسبة للبنانيين الذين احتاروا من «أين يبوسون القرعاء» ويخطبون ودّها.

وقد تأمنت (بحمد الله وعونه) الشروط والإمكانات كافة، وكانت الانطباعات عن الجلسة الأولى إيجابية، وبقيت النتائج المتوخاة. فالمتحاورون وافقوا على الحوار بمستويات مقبولة، والمشجعون أيدوا وإن باستحياء، والمعارضون لم يدلوا بآرائهم علانية وظلت وجهات نظرهم في طي الكتمان.

والرئيس سعد الحريري دافع عن مبادرة الحوار مترفعاً عن المصالح الشخصية والحزبية، مقدماً عليها مصالح الوطن العليا، ومصالح الطائفتين السنّية والشيعية في خفض منسوب التوتر المذهبي القائم بينهما، بما ينعكس إيجاباً على عموم الوضع اللبناني، وهو لم يتوقف كثيراً عند خطر الانزلاق إلى حوار غير مجد ولا منتج مع فريق سياسي وعسكري لم يلتزم بنتائج ومقررات حوار سابقة.

في حين لم تصدر عن حزب الله مواقف تنم عن حماس أو اندفاع للحوار، وإن صدرت بعض التصريحات عن نواب وقيادات حزبية عن موافقة على إجراء الحوار وبدت بعض التصريحات معبرة عن تنازلات ما، أو أنهم وجرياً على عادتهم يمنون على المواطنين وسائر العباد بمواقف مهادنة تخفف من حدة التشنج المذهبي، وتساهم في إيجاد حلول، أو بعض المخارج للمشكلات المستعصية والشائكة التي يعانيها لبنان هذه الأيام، وعلى رأسها خلو سدة الرئاسة، وانفجار ملفات الفساد، وخطف العسكريين، والاضطرابات الأمنية المتنقلة، وغيرها من المسائل العويصة والتي لا حصر لها. فأي آفاق واعدة لهذا الحوار؟ وما هو المأمول والمرتجى؟

وقد سقط بند الانخراط العسكري لحزب الله في سوريا من جدول الأعمال تسهيلاً للحوار من قبل تيار المستقبل وإقراراً من حزب الله بأن قرار الانسحاب من سوريا ليس بيده. ومعلوم ان تيار المستقبل مع تيار 14 آذار وفرقاء سياسيين طالما ألحوا على وجوب انسحاب الحزب من الساحة السورية عسكرياً. نقول سقط هذا البند من جدول الحوار، وحسناً فعل الطرفان ذلك، ذلك أن الوجود العسكري للحزب في سوريا مرتبط ومتداخل بشكل معقد مع الوضع الإقليمي للصراع داخل سوريا، ووجود إيران كلاعب أساسي في هذا الصراع. والحزب كما هو معروف يرتبط بعلاقات شبه استراتيجية مع إيران، وبالتالي فإن انسحابه من سوريا بهذه البساطة دونه فرط القتاد. ولا يظنن أحد أن قيادات الحزب وفعالياته لا تدرك مخاطر هذا التدخل في صراع دموي مرير، لا أحد يتنبأ بطول أمده أو حجم خسائره البشرية والمادية والمعنوية، ولربما لو عاد الأمر لهذه القيادات والفعاليات لفضّلت الانسحاب من سوريا اليوم قبل الغد، والغد قبل بعده. والذين يسدون النصائح للحزب بالانسحاب للحفاظ على المقاومة وصورتها، أو للحفاظ على أرواح أبنائه ومستقبلهم، أو نأياً للبنان عن الصراع الإقليمي المتفجر. تذهب نصائحهم سدى، وفي رأيي أن الأمر لا يتعلق بقبول النصح أو رفضه، بل يتعلق بإمكانات الحزب الفعلية في اتخاذ قرار مصيري وخطير كهذا، وتحضرني في هذا المجال نصيحة المغيرة بن شعبة للإمام علي بن أبي طالب غداة توليه الخلافة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان.

فقد قال المغيرة للإمام علي: ارى أن تثبت الولاة على الامصار فترة من الزمن حتى يستقر زمام الأمور لك، فرفض الامام علي لأن الولاة على الكوفة والبصرة ومصر والشام كانوا سبب المحنة والفتنة التي أدت الى استشهاد الخليفة. وفي رأي الامام علي ان تغيير الولاة لا بد منه. ثم جاءه المغيرة في اليوم التالي ليقول له: لقد نصحتك بالأمس بتثبيت الولاة، وارى اليوم ان الرأي الصائب بعزلهم. فأجابه الامام علي: والله لقد نصحتني بالأمس، وغششتني اليوم، فالأمر لا يتعلق بإسداء النصائح بل بطبيعة الصراع ومجرياته وارتباطاته الإقليمية والدولية. ونعود فنقول حسناً فعل المتحاوران بإسقاط هذا البند المعجز. 

تبقى البنود المتفق عليها، وبما ان الحزب لا يستطيع اتخاذ القرارات المصيرية والخطيرة المتعلقة بمستقبله على الساحتين اللبنانية والسورية فضلاً عن الساحة الفلسطينية الموجودة دائماً. فان نتائج الحوار ـ وبنظرة تفاؤلية ـ ستكون محدودة جداً، وجل ما نرجوه ان لا تكون مخيبة للآمال. تيار المستقبل ادرك سلفاً حجم الرهان، وأعلن استعداده لدفع الثمن السياسي لهذه المخاطرة، فمصلحة البلاد تستحق ذلك. اما حسابات حزب الله الفعلية فهي في واد آخر. في المستنقع السوري، حيث السباحة صعبة ومضنية. والانسحاب اصعب وأعقد ولعله أدهى بعد كل التضحيات التي بذلت لإنقاذ نظام يتهاوى يوماً بعد يوم وسقوطه مسألة زمنية ليس الا. والجماعات «الجهادية» التكفيرية تعيث فساداً وقتلاً وتدميراً في هذا المشرق المبتلى بأنظمة الاستبداد والقمع والتخلف من جهة وجماعات القتل العادي بسيوف يدعون ان الله ورسوله وضعها على عواتقهم امانة ليعيدوا مجد الاسلام ورسالته ووهج الخلافة الاسلامية البائدة ويعيدوننا خمسة عشر قرناً الى الوراء بلحاهم وتعصبهم وعنصريتهم وجهلهم المطبق من جهة أخرى.

أما حوار حزب الله والمستقبل فلا نملك الا ان نتمنى له التوفيق.