IMLebanon

الحوار «الحميد»

سعى الرئيس نبيه بري جاهدا لإطلاق الحوار بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، ونجح في ذلك بمعاونة وليد جنبلاط، وهو يعرف سلفا كمية العراقيل التي تواجه هذا الحوار المفترض، لكنه يعرف أيضا أن مجرد اللقاء بين الطرفين يضفي جوا من الاسترخاء على الساحة اللبنانية المحكومة بتطورات المنطقة التي تبدو أزمتها مفتوحة الى ما شاء الله. فليس نبيه بري من تأخذه العزة ويغلبه اليقين بحوار منتج وعلى مستوى الآمال في هذه المرحلة.

لقد أعلن الرئيس سعد الحريري قبل أشهر استعداده للحوار مع كل الأطراف من دون استثناء. تلقف «حزب الله» الرسالة الحريرية بعد «اتصالات صديقة» تشجع على ذلك، فأعلن السيد حسن نصر الله من جانبه جهوزية الحزب لهذا الحوار. ورد الحريري أمس الأول مؤكدا من جانبه الجهوزية المطلوبة ضمن أطر محددة. ولا شك أن موقف الحريري سوف يقفل أبواب بعض المحيطين به، والذين يظهرون من الغنج والدلال ما يدعو الى الاستغراب والسخرية في آن معا، لأنهم يعرفون سلفا أن القرار ليس في أيديهم.

وأيا يكن من أمر، فإن «حزب الله» ليس مستعجلا ولا «مستقتلا» على حوار يعرف سلفا أن المواضيع المطروحة على طاولته، تأكل من صحن الحزب، وأبرزها تسهيل الانتخابات الرئاسية والانسحاب من سوريا وتجريد المقاومة من سلاحها، وهي مواضيع غير قابلة للتنازل أو المساومة في هذه المرحلة الدقيقة. و»المستقبل» من جهته ليس مستعجلا، وأغلب الظن أنه لا يملك وحده حرية التصرف بهذه المواضيع، داخليا وخارجيا. فما هي الجدوى من هذا الحوار المحكوم سلفا بمعطيات غير مشجعة؟

لقد نقل عن الرئيس بري أن موضوعي الانسحاب من سوريا وسلاح المقاومة ليسا مطروحين على الطاولة في مستهل هذا الحوار الذي سيبدأ بالمعاونين. وهذا يعني أن الحوار سوف يتناول الانتخابات الرئاسية. وليس سرا أن الطرفين لا يملكان ناصية هذا الموضوع، ليس عن عجز، بل عن التزامات يصعب فكاكها في هذه المرحلة. فقد قال «حزب الله» كلمته في هذا المجال على لسان السيد نصر الله الذي أعلن لأول مرة بالاسم، في خطبه الأخيرة، أن «العماد عون هو مرشحنا». والمستقبل من جهته لا يملك حرية الخروج من حلفائه أو إدارة الظهر لهم.

وعليه، يبدو من نافل القول إن الانتخابات الرئاسية ما تزال في المربع الأول، حيث يمسك العماد عون بمفتاحها، وما لم يبدل الجنرال موقفه فإن الحزب وقوى «8 آذار» عامة لن تخرج منه. ومن هنا فإن المتحاورين سوف يصطدمون بهذا الواقع من بداية الطريق، ولن تكون للحوار جدوى في هذا المجال.

باختصار، إن الحوار الموعود هو عامل نفسي يفترض أن يضفي جوا من التهدئة في الساحة اللبنانية، بانتظار معالجة الأزمات المفتوحة في المنطقة على كل الاحتمالات، وهي تهدئة مطلوبة كما يبدو إقليميا ودوليا، ومحليا أيضا، بما يشبه الورم الحميد الذي لا يقتل المريض، ولكن يبقيه في حالة العلاج تفاديا لتحول المرض الى ورم خبيث.