لا ننكر ما للحوار من اهمية، سواء أكان ثنائياً أم ثلاثياً ام رباعياً، أو كان يجمع مزيداً من الفئات، لكن المؤسف في الحوارات القائمة أمور عدة.
أول هذه الأمور أن الحوار الثنائي بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” تسبق كلاً من جولاته حملة من الشتائم وتبادل التهم والتهويل والتهديد، كأنما المطلوب منه ان يكون للتهدئة كل مرة، فلا يحرز تقدماً ولا يحقق إنجازاً. وهو كالحوار الوطني لا يترجم على أرض الواقع في الخطط الامنية أو إزالة اللافتات والشعارات الا في نطاق محدود، وسرعان ما يتلاشى مفعول القرار ليعود القديم الى قدمه.
الأمر الثاني ان الحوار بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” تقدم كثيراً وألغى مئات من أميال التباعد، لكنه الى اليوم لم يتمكن من تحقيق ما يصبو اليه مجتمع الفريقين، أي الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية ينهي الشغور ويعيد الى الموقع هيبة يفتقدها يوماً بعد آخر. ولم يتفق الفريقان على مسوّدة قانون انتخاب يعيد الى الصوت المسيحي فاعليته في المعادلة الوطنية، مع علم كليهما، بأن موضوع الانتخابات النيابية هو التحدي الاكبر لهما.
أما الحوار الوطني، الممدد له منذ عام 2006، بأشكال وتحت عناوين مختلفة، فهو يجمع معظم الاطراف الممثلين أصلاً في مجلسي النواب والوزراء، ولم يتمكن من الاتفاق على انتخاب رئيس للدولة، كأنما الاقطاب يعترفون بعجزهم المستمر، أو بعدم قدرتهم على اتخاذ قرار من دون وصاية، وهم الى ذلك يجتمعون ويجتمعون ولا يطبقون شيئاً مما اتفقوا عليه. اضف الى ذلك انهم يخرقون القانون، ويضربون الدستور بإعطائهم أنفسهم تمثيلاً لا وجود له دستورياً، ويؤسسون لما يشبه المؤسسة، متعمدين تغييب دور المؤسسات، اذ ماذا يمنع اجتماعهم في لجان نيابية او في المجلس، او الى طاولة مجلس الوزراء؟.
وما يدعو الى الأسف أكثر، ان الذين لم يدعوا الى طاولة الحوار اعترضوا مرارا، لانهم يرون في ذلك مدعاة فخر لهم، واعتباراً لقيمتهم، عوض ان يربطوا الاخيرة بتمسكهم بالدستور والقوانين، فيرفضوا بدعة الحوار من أساسها.