IMLebanon

الحوار في بلد  والحراك في بلد

ليس على طاولة الحوار في ساحة النجمة ما لم يكن خارجها منذ الشغور الرئاسي في ايار ٢٠١٤. ولا على أجندة الحراك المدني في ساحة الشهداء ما لم يكن من المطالب الشعبية المطروحة من شهور أو سنين أو عقود. لكن المسافة القصيرة الفاصلة بينهما بالأسلاك الشائكة تبدو كأنها بحر فاصل بين عالمين. فالحوار في بلد، والحراك في بلد آخر. أمراء الطوائف المختلفون على الحصص والمتصارعون على الولاء للمحاور الاقليمية والدولية، متفقون على حراسة نظام الأزمة الدائمة في مواجهة أي توسع للتيار العابر للطوائف. وهم مطمئنون، في حماية العصبيات الطائفية والمذهبية، الى سد الطريق على أية بداية لثورة اجتماعية في بلد الحروب الأهلية الدورية والتسويات الجزئية.

ولا شيء يقوّي الحراك المدني أكثر من شراهة التركيبة السياسية – المالية وفسادها وعجزها حتى عن معالجة قضايا البلد والناس العادية. ولا شيء يضعف الحوار أكثر من اختصار الدفاع عنه بالسؤال عن البديل، والحرص على النقاش في البديهيات. فالحوار من خارج المؤسسات هو أصلاً بدل عن ضائع. والبديل هو احترام اللعبة الديمقراطية والاحتكام الى الدستور. فلولا الشغور الرئاسي لما كنا في حاجة الى حوار حول معظم العناوين المطروحة على جدول الأعمال. ولولا التوظيف المتبادل في الفراغ بين مطالب شخصية وفئوية وبين حسابات اقليمية جيوسياسية، لما كان من الممكن ترك الجمهورية بلا رئيس وتعطيل المجلس النيابي ومجلس الوزراء.

ذلك ان كل اللقاءات والدعوات الصالحات والجلسات الافتتاحية التي لم يكتمل النصاب فيها كانت تمارين في العبث. وما جرى في الجلسة الأولى للحوار هو استمرار لحرب الرئاسة. فالمفروض ان رؤساء الكتل النيابية ذاهبون الى حوار سياسي، لا الى مناظرة أكاديمية أو فلسفية. والمنطق السياسي يؤكد بالتجارب قول الجنرال ديغول ان المرء لا يدخل المفاوضات من أجل الحصول على خلاصة بل من أجل أن يربح.

لكن كل شيء بقي في اطار المناظرة حول الأولويات: هل الأولوية الى انتخاب رئيس بما يعيد الانتظام العام الى عمل المؤسسات أم لانتاج قانون انتخاب واجراء انتخابات نيابية بحيث يتولى المجلس الجديد انتخاب رئيس؟

لا أحد يجهل ما يرافق كل أولوية من عقبات. لكن السؤال هو: الى متى يستمر أصحاب الأولويتين في المناظرة وسط أزمة وطنية وسياسية واقتصادية على حافة الانتحار السياسي؟ أليس للتسوية فرصة بعدما أخذ العناد كل الفرص؟ واذا لم تكن التسوية ممكنة أو واردة فما جدوى الذهاب الى الحوار