من نَكَد الحياة على من يتابع الشّأن اللبناني حال المراوحة البائسة اليائسة التي تحاصرنا بتكرار مملّ لـ”كار التّعطيل” كائناً من كان الفريق الذي ينتهجه سواء في تعطيل المجلس النيابي أو انتخاب رئيس جمهورية أو تشكيل حكومة أو تعطيل حكومة أو تعطيل لجنة تحقيق ومحقّق دولي أو تعطيل قاضي تحقيق محلّياً، الكلّ في هذا الوطن الصغير يمتهن التعّطيل ويمارسه باستهتار غير مسبوق، ومن غير المفهوم لماذا يذهب الفرقاء في عمليّات تناحرهم السياسي إلى حافّة نحر الوطن والمواطن!
لا نعرف ما إذا كانت اقتراحات الحلول ما زالت نافعة أو مجدية، خصوصاً إذا كانت اقتراحاً على هيئة تغريدة تنظيريّة كالتي أطلقها بالأمس النائب السّابق وليد جنبلاط “للخروج من دوّامة التّعطيل المدمّرة فإنّ أفضل طريقة هي في أن يجتمع مجلس الوزراء من دون أيّ شروط مسبقة وتبتدئ ورشة العمل وفي مقدّمها التّفاوض مع صندوق النّقد الدولي. هذا هو الحوار الأساس ولا بديل عنه”، هذه النظريّة الجنبلاطيّة تغاضت كلّياً عن كون الذي يفرض التّعطيل بقوّة التّهديد الذي أسفر عن انزلاق دموي إلى حافّة فتنة في الاعتداء على عين الرّمانة لـ”قبع” المحقّق العدلي في ملف انفجار المرفأ ذكّرت بذعر اندلاع الحرب الأهليّة من جديد، فهل كانت تغريدة جنبلاط من باب النّصيحة لمن لا “ينتصحون” أم من باب التّنظير فقط لإثبات الوجود وتعليقاً غير مباشر على دعوة غير مثمرة للحوار صدرت عن رئيس الجمهورية ميشال عون بعد تراجعه عن بقّ بحصة تعطيل حزب الله لانعقاد مجلس الوزراء ثم تراجع بقدرة حديث هاتفي بين الصّهر المدلّل جبران باسيل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا!
هل جاءت تغريدة جنبلاط للردّ على دعوة الحوار الرئاسية بقوله الموجز عن انعقاد مجلس الوزراء من دون شروط مسبقة “هذا هو الحوار الاساس ولا بديل عنه”؟ عمليّاً هذه هي المرّة الثّانية التي يطلق فيها رئيس الجمهورية دعوة للحوار يُدرك جميع الأفرقاء أنّها ستتظهّر لمصلحة “الصّهر المدلّل” وعلى الأقل هناك احتمال أن يكون هناك فريق واحد لا يزال لديه استعداد للجلوس مع هذا الصّهر الذي استعدى معظم لبنان وقياداته وقد سبق هؤلاء جميعاً جمهور الثّورة بتهويدة “الهيلا هو” الشّهيرة وما تبعها من رفض حادّ لوجوده في أيّ حكومة، هذا للتّذكير فقط لأنّ الصّهر ومعه تيّاره يتصرّف وكأنّ كلّ هذا لم يحدث ويظنّ أنّ اللبنانيّين نسَوْا الإصرار الماكروني على حكومة المتخصّصين ومناورة فرض معادلة “إمّا سعد (الحريري) وجبران (باسيل) في الحكومة يا الإثنين خارجها” وأنّه بهذا التعنّت أطاح بالرئيس سعد الحريري ومنعه من تشكيل حكومة حتى اضطرّ للاعتذار بعد عشرة أشهر، فمَن من الأفرقاء السياسيّين على استعداد لإعادة باسيل إلى كادر الصورة وإن سعت الدّعوة الرّئاسية إليها؟!
أغلب الظنّ أنّه لن يتمّ الأخذ بالنّصيحة الجنبلاطيّة، وأنّ التّعطيل سيبقى سيّد الموقف، وغالباً نتيجة تهديد “الثنائي الشّيعي” بالاستقالات الجاهزة في حال تمّت الدّعوة إلى انعقاد جلسة مجلس وزراء مثل التّهديد العوني بالاستقالة من المجلس النيابي، وهذا كلّه لا يُقدّم ولا يُؤخّر لأنّ الحديث عن أيّ ميثاقيّة لا يطعم خبزاً لأنّه لا يملك ترسانة صواريخ، فالميثاقيّة السُنيّة خرقها سُنّي واحد عيّنه حزب الله وزيراً، والميثاقيّة الدرزيّة تلحق بوليد جنبلاط فيميل حيث تميل مصلحة الطائفة، عمليّاً لا ميثاقيّة اليوم في لبنان إلا سلاح حزب الله!