يبدو الحوار بين كبار المسؤولين وكأنه عالق بين من يريد حلا وبين من يتطلع الى تحقيق مكسب سياسي، خصوصا ان الحوار الذي بدأ تحت عنوان موضوع رئاسة الجمهورية قد تخلى عن هذا العنوان على امل تسجيل موقف من بين الذين لا مجال امامهم لان يحققوا مطالبهم ان كانت شخصية او عامة، لاسيما ان موضوع الرئاسة الاولى عالق بين من يريده على قياسه وبين من لا يريده في حال استمرت المواقف على ما هي عليه، حيث لكل طرف تصوره الذي يرى ان من الافضل الاخذ به، فيما تبدو الامور عالقة في اولوية البند الرئاسي او الانتخابات النيابية؟!
يقول احد المشاركين في الحوار ان ثمة اهمية بالنسبة لاولوية ملف النفايات كي لا يبقى عالقا في متاهة اللعبة السياسية – المطلبية في آن، حيث لا يعقل الاتكال على ما هو قائم حاليا بالنسبة الى توزيع النفايات على الطرقات العامة، اما في حال كان اصرار على اولوية الملف الرئاسي، فهناك مفاضلة تقول انه يستحيل اللعب بقانون الانتخاب لمجرد ارضاء هذا الفريق على حساب فريق اخر، مهما اختلفت الاجتهادات التي توحي وكأن المتحاورين بصدد البحث في ميثاق جديد؟!
واذا كان من الضروري التفاهم الميثاقي، فليس ما يمنع ذلك، الا في حال كانت رغبة في زعزعة الاستقرار السياسي الذي لا بد وان يؤدي الى حال من الارباك بصورة لا ترضي من يتطلع الى حل على الصعيد الرئاسي، مع العلم ان التكاذب في هذا المجال سيد الموقف مهما قيل عكس ذلك، طالما ان الميثاقية الجديدة تعني الاخذ من المسيحيين بمعدل الثلث وصرف النظر عن المناصفة عن سابق تصور وتصميم، حتى وان كان المقصود جر البلد الى ما لا تحمد عقباه، وهذا مطروح من جانب الشريك الشيعي الذي يتطلع الى احداث تغيير في نوعية النظام (…)
من هناك يفهم البعض ان الانتخابات النيابية على اساس النسبية، بما في ذلك اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، يعني الخوض في ميثاق ملغوم من شأن العمل به هز الاستقرار وليس توطيده، مع العلم ان النسبية الشمولية تجر البلد الى اكثر من التمزق السياسي الحاصل، حيث ان الفريق الشيعي يمثل صراحة الاكثرية العددية، من غير حاجة الى الاتكال على عوامل عددية اخرى تعتمد النسبية وما اليها من حسابات لتقاسم السلطة على اساس المثالثة، على رغم ما يؤديه ذلك من صراع سبق للبنانيين ان عانوا منه في احداث ما قبل اتفاق الطائف الذي اوقع اكثر من ثلاثماية الف قتيل من جميع الملل والمناطق والمذاهب وخلق تمزقا مذهبيا لا يزال البلد يعاني منه (…)
واذا كان من مجال للتفاهم بين المتحاورين على نوعية رئيس الجمهورية العتيد، فان ذلك يكفل تخطي التعقيدات المطلبية خصوصا داخل الطائفة الشيعية، لكن طالما بقي تفاهم بين قوى 14 اذار معنى ذلك ان لا مجال للاتكال على تقسيم جديد للبلد وللدستور والقوانين حيث ترتبط مصالح الجميع بمدى تفاههم على خط سياسي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم اجراء انتخابات نيابية وبعد ذلك يصار الى ادخال التعديل الذي يتطلع اليه الجميع من غير حاجة الى صراع سياسي يكفل الانطلاق الى مؤتمر تأسيسي يرضي فئة على حساب فئة اخرى؟
المهم بالنسبة الى المتحاورين اليوم وغدا وبعده ان يركزوا على تحقيق نقلة سياسية موضوعية تؤدي الغاية المرجوة منها لتصحيح الخلل في الدستور في اطار من التفاهم على الخوض في اصول الاصلاح السياسي من غير حاجة الى مقاربة اي مطلب يمكن ان يزيد الصراع الذي يمكن ان يطرأ من خلال تقصير مهل المعالجة، لاسيما ان الوقت لا يعمل لمصلحة اي طرف، هذا في حال كانت حاجة ملحة الى اصلاحات سياسية تبدأ بمكافحة الفساد وازالة رواسب المذهبية – الطائفية في الادارات العامة!
واذا كان من مجال امام النيات الحسنة، عندها يمكن القول ان على المتحاورين ان يقدموا الاهم على المهم، مع العلم ان لكل منهم وجهة نظر تختلف عن غيره، ليس لانه لا يريد وجهة نظر سواه، بل لان ذلك يتعارض مع مصلحته، حيث تبدو المصالح في مقدم ما يجب العمل على معالجته، فيما هناك من يجزم بأن الحوار لن يصل الى نتيجة، لان وجهات النظر متباعدة جذريا بحسب اجماع المراقبين الذين يرون ان الخلافات هي مادة دسمة واساسية على طاولة الحوار، حتى وان كان من الواجب والضروري تخطيها بمختلف وسيلة ممكنة، وليس افضل من المباشرة بانتخاب رئيس للجمهورية ومن بعده تجري حلحلة البقية الباقية من المواضيع العالقة؟!