أمس انعقدت جولة حوار موسع برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سبق أن ابتدع هذه الصيغة من الاجتماعات قبل عشرة اعوام بذريعة فكفكة الالغام “الفتنة” عبر سحب التوتر في الشارع الى خلف جدران مغلقة. مرّت سنوات وانتقلت جلسات الحوار من عهدة رئيس مجلس النواب الى عهدة رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) لتعود مرة جديدة بعد خلو سدة الرئاسة الى عهدة رئيس مجلس النواب. يسجل لطاولة الحوار إنجاز تاريخي واحد، عدا الزعم انها تخفف احتقان الشارع، هو صدور “اعلان بعبدا” خلال ولاية الرئيس سليمان الذي تحدث عن فكرة “النأي بالنفس” عن أزمات المنطقة، في إشارة مباشرة الى الازمة السورية، وأي أزمة أخرى يمكن أن تنشب ويكون العالم العربي المحيط بلبنان مسرحا لها. طبعا أُلحق صدور “اعلان بعبدا” بتنصل “حزب الله” منه بالرغم من ان ممثل الحزب في الاجتماع لم يعارضه يومها. والى اليوم ما زلنا نراوح مكاننا على طاولة الحوار التي تجتمع مرة في الشهر من أجل الصورة. فهي لا تعالج ألباب المشاكل التي يعانيها لبنان، كتورط “حزب الله” في حرب سوريا بما يناقض “اعلان بعبدا”، ولا الازمة الاساس التي تتمثل في امتلاك الحزب المذكور سلاحا من خارج الشرعية، فضلا عن ان الطاولة لم تلامس موضوع الاستحقاق الرئاسي بجدية على الرغم من مرور أكثر من اثنين وعشرين شهراً على شغور سدة الرئاسة. وتستمر الدعوة الى انعقاد هيئة الحوار من دون التطرق الى البحث في عمق الازمة اللبنانية التي تتمثل، شئنا أم ابينا، في مواصلة حزب لبناني امتلاك سلاح غير شرعي، والاضطلاع بوظيفة اقليمية، وفي احتكامه الى قوة السلاح في كل خلاف سياسي داخلي. كل القضايا الاخرى مثل قول قوى مسيحية إن المعادلة السياسية تفتقر الى الميثاقية بفعل قوانين انتخاب “جائرة” او ممارسات غير ميثاقية على مستوى الوظيفة العامة، تبقى على اهميتها دون اولوية معالجة آفة السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه “حزب الله”، فضلا عن تركيبته الامنية – العسكرية التي لم توفر اللبنانيين ولا العرب بممارساتها الارهابية على مدى سنوات طويلة، ولمّا تزل!
إن طاولة الحوار التي تحولت مناسبة لالتقاط الصور التذكارية، وإن يكن الهدف منها “نبيلا”، بعيدة كل البعد عن الازمة العميقة التي يعانيها لبنان. وما لم يتم الجلوس حول طاولة جدية للبحث في مصير سلاح “حزب الله” توطئة لنزعه، وتفكيك منظومته الامنية – العسكرية، لا حلول مرتجاة في اي حوار، لا في قوانين الانتخاب، ولا في تثبيت ميثاقية مفتقدة، ولا في حل أزمات اقتصادية واجتماعية كبرى.
في اختصار، نقول لاطراف الحوار من استقلاليين و”ممانعين” إن اي حوار لا يضع مسألة نزع سلاح “حزب الله” على بساط البحث الجدي هو حوار طرشان هدفه التعمية على البند الاخطر في الازمة اللبنانية، وذلك قبل اي شيء آخر.
صحيح ان بناء الاوطان يحتاج الى حكمة، لكنه اكثر ما يحتاج الى معالجة الازمات المركزية قبل الثانوية.