وسط بيروت منطقة معزولة غداً
«حوار الطرشان» محاصَر من الخارج.. والداخل!
يقول الرئيس نبيه بري إنه لا يشعر أنه محاصر في مجلس النواب في 9 أيلول. عمليا، الوقائع يوم غد وما بعده، تقول غير ذلك.
هو، ومن معه، والغالبية العظمى من السياسيين ممّن لم تشملهم الدعوات للجلوس الى طاولة الحوار، هم عبارة عن مجموعة محاصرة بين لغمين: الاول، داخل قاعة الاجتماعات حيث يحمل جدول الاعمال بحدّ ذاته كبسة تفجيره مع كل الاحزمة الناسفة التي زنّر المتحاورون بها أنفسهم قبل الدخول الى قاعة التنظير. الثاني، «الحزام الشعبي» الاعتراضي الذي يطوّق الحكومة ورموز السلطة منذ 22 آب.
في الداخل سيُقال الكلام نفسه وسترفع الفيتوات ذاتها، وتنصب المتاريس عند الحاجة لتعطيل الغاية من الحوار حين تتعارض مع مصالح الداعين اليه أو المشاركين فيه…
قمّة المفارقات حين تُرصد على ألسنة بعض الزعماء، المعنيين الاساسيين بالحلول الصعبة، عبارة نعي لهذا الحوار حتى قبل أن يبدأ. وفي أقصى درجات التفاؤل الرهان على أنه لن يصمد طويلا لأن موانع «التسهيل» لا تزال أكثر بكثير من مؤشّرات «التليين» والتمهيد لفكفكة عقد الازمات.
سؤال واقعي وبسيط يطرح نفسه: ما الذي «ستخترعه» طاولة الحوار لأزمة رئاسة مستعصية منذ سنة وثلاثة أشهر ونصف الشهر، ولقانون انتخابي يحتاج الى معجزة؟
لا حرج في فشل المتحاورين مرّة جديدة ما دام الفشل ماركة مسجّلة باسم الطاولة منذ العام 2006، والانكى أنها جذبت نفس زعامات ووجوه الازمة، و»رُكّبت» على عجل فوق أكوام من الزبالة تستقيل بسببها حكومات ومجالس نيابية، لكن في لبنان تدفع «رائحتها» أهل النزاع الى المزيد من جولات «الدردشة العقيمة».
لكنّ إحراج الخارج ليس أخفّ وطأة من إحراج الداخل.. لا تقف المسألة عند اضطرار مواكب ضيوف الرئيس بري الى شقّ «جبال» النفايات للوصول الى قاعة «حوار الطرشان»، بل في الضغط الذي يمكن أن يقوم به أهل الحراك المدني من أجل دفعهم الى «التشمير» عن زنودهم، ليدخلوا عصر الحلول السريعة لأزمات ملحّة وخطيرة لم تعد تحتمل ترف التنظير وتضييع الوقت.
وفيما يجهد رؤساء الاجهزة الامنية والعسكرية للتخفيف من «وهج» الاجراءات الاستثنائية التي تمّ اتخاذها في الايام الماضية في محيط ساحة النجمة، وقبلها في محيط السرايا، إلا ان العين ترصد استنفارا وإجراءات لم يسبق ان شهدتها بيروت بهذه الكثافة في الاعوام الماضية. كل ذلك تحت خط احمر تهابه القوى الامنية وتحسب له السلطة السياسة ألف حساب: ممنوع إراقة نقطة دم واحدة، لأن غير ذلك لن يكون سوى خطوة أخرى في المجهول لا احد قادرا على ضبط تداعياتها.
كلام مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص مؤخّرا أمام الضباط خلال زيارته قيادة القوى السيارة في الضبيه تمحور حول نقطتين أساسيتين:
بالرغم من العقوبات المسلكية التي أعلن عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق بحق ضابطين وستة عسكريين، فإن بصبوص كان واضحا بتبريره «الاخطاء التي ارتكبها بعضكم» وردّها الى «الضغط الهائل الذي تعرّضتم له».
الامر الثاني، الاهمّ، هو رسمه خطا أحمر لأي احتكاكات مقبلة «استعمال القوة المفرطة وإطلاق الرصاص ممنوع منعا باتا مهما كانت الاسباب». أما آخر التعليمات التي وصلت الى عناصر القوى الامنية فهي منع حتى إطلاق القنابل المسيّلة للدموع، إلا في حالة الهجوم المنظّم والمباشر على هذه العناصر.
قوى التمرّد على الامر الواقع، بوجهها الشعبي العفوي أو المؤطّر ضمن منظّمات المجتمع المدني، بدأت تفرض نمطها المتسارع على الاجندة السياسية.
بالتزامن، الجيش وقوى الامن يستعدّون لمواكبة آمنة لكل هذه التحرّكات، إلا إذا اضطرت القوى الامنية الى الردّ على من يتقصّد الشغب والتخريب والاقتحام وليس فقط التظاهر، فيما ألزم الجيش نفسه بمهمّة المؤازرة عن بعد إلا إذا استدعت «فوضى» ما انغماسه مجددا في صحن المواجهة مع المتظاهرين.
وعشية جلسة الحوار والتحرّك الذي دعت اليه حملة «طلعت ريحتكم» كثّفت وزارة الداخلية من اجتماعاتها واتصالاتها لمواكبة تظاهرة الغد، مع التشديد على إبقاء غرف العمليات العسكرية بين الجيش وقوى الامن «شغّالة». كما عقد اجتماع تنسيقي أمس في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي ضمّ كبار الضباط بينهم قائد شرطة بيروت العميد محمد الايوبي وقائد القوى السيارة العميد فادي هاشم (إضافة الى قادة الافواج وقادة السرايا في وحدة القوى السيارة) ورئيس غرفة عمليات قوى الامن العميد حسام التنوخي ورئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان وقادة السرايا في وحدة شرطة بيروت وصولا الى آمري الفصائل في بيروت…
وفق المعلومات، تمّ تقسيم وسط بيروت الى 6 بقع عازلة تنتشر في نطاقها القوى الامنية المعنية، وقد صدرت الاوامر الصارمة بمنع اختراقها من قبل المتظاهرين الذين قرّروا التحرّك بالتزامن مع انعقاد جلسة الحوار. وعليه، ستكون المداخل المؤدية الى ساحة النجمة كافة منطقة أمنية يحظّر الدخول اليها. وسيصار الى تثبيت سياج أمني يشمل كامل محيط بقعة العزل التي هي أوسع من السابق، مع الابقاء على ممرات أمنية تسهّل وصول المشاركين في الحوار والاعلاميين، إضافة الى مهمات الرصد والمراقبة، مع أوامر مشددة بالتحلي «بأقصى درجات التهذيب وضبط النفس المقرونين بالحزم».
وفي تطوّر مرتبط بحفظ الامن في بيروت، نفّذت عناصر القوى السيارة في قوى الامن أمس «اعتصاما» داخل ثكنة المعلقة في زحلة (نحو 100 عنصر من أصل 200 يشكّلون عديد القوى السيارة في ثكنة زحلة) احتجاجا على قرار نقلهم الى بيروت.
وفيما يشكّل هذا «التمرّد» حالة غير مسبوقة في سجلّ المؤسّسة الامنية لجهة رفض تنفيذ الاوامر، فإن معنيين يشيرون الى ان ضرورات حفظ الامن في العاصمة والمناطق والظروف الاستثنائية التي تفرضها لغة الشارع اليوم، أملت على القيادة اتّخاذ هذا القرار من أجل رفد وحدة القوى السيارة في بيروت بالمزيد من العناصر، فجاء الردّ من خارج الحسبان. مع العلم ان القوى السيارة تعتبر الخزان العسكري البشري لكل قطعات قوى الامن، بحيث أن اي مهمّة أمنية اذا كان عديد الفصيلة الاقليمية او السرية غير كاف وغير جاهز لتأدية المطلوب تطلب التعزيزات والمساعدة من القوى السيارة، إضافة الى مهمّتها المركزية والاساسية في مكافحة الشغب.
وخلال المفاوضات أمس مع عناصر القوى السيارة المتمرّدة كان مطلب هؤلاء واضحا برفض النزول الى بيروت والانتقال الى مبان غير صالحة للاقامة والخدمة، مطالبين بالتمركز في معهد قوى الامن المقفل لكن الصالح للسكن (الوروار)، فجاءت التسوية لاحقا بقبول نقلهم الى هناك على أن يمنحوا مأذونية ويلتحقوا صباح اليوم بالمعهد.