يُعوِّل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط، على أن يؤدّي الحوار الذي يَعملان على إطلاقه بين تيّار «المستقبل» و»حزب الله»، إلى خَلق جَوّ إيجابيّ عام يدفع في اتّجاه سلوك درب الاستحقاق الرئاسي.
المعلومات الراشحة حتّى الآن مِن الاتّصالات الجارية على ضفاف الاستحقاق الرئاسيّ لتأمين الحوار بين «المستقبل» و»الحزب» تُفيد أنّ الرئيس سعد الحريري يُبدي إيجابيّةً وانفتاحاً، ولا معوّقات لديه، لكنّ رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة ما زال متردّداً ويُناقش في هذه الفكرة وتلك، ويقول أحيانا «لَعَم»، ولم يَقُل الـ»نعم» بَعد.
بعض السياسيّين يفسّر تردّد السنيورة بوجود مناخٍ ما في تيّار «المستقبل» يَميل إلى استئخار أيّ حوار إلى ما بعد الانتهاء من الإدلاء بالشهادات أمام المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان في لاهاي في شأن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكذلك إلى ما بعدَ تبلوُر نتائج جولة المفاوضات الجارية حاليّاً في فيينا بين إيران والدوَل الغربيّة توصُّلاً إلى اتّفاق شامل في شأن الملف النووي الإيراني.
وفيما البعض في تيّار «المستقبل» يتحدّث بما يُشبه «الشرط المسبَق» عن وجوب أن يَسبق انتخاب رئيس جمهوريّة جديد أيّ حوار بينه وبين «حزب الله»، فإنّ الحزب لا يطرح أيّ شروط، بل يمدّ اليد لإجراء هذا الحوار لِما له من انعكاس إيجابيّ عام على الأوضاع في البلاد، بل إنّه من المحبّذين بشدّة انتخابَ الرئيس اليوم قبل الغد، ولا يربط هذا الأمر بأيّ حوار، ولا يتوَقّعَنَّ أحدٌ منه أن يطلب من حليفه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون سحبَ ترشيحه، وهو ماضٍ في دعمِه طالما هو مستمرّ في هذا الترشيح، وعلى الآخرين مُحاوَرته، فإمّا يُقنعونه ويتّفقون معه على خيار آخر، وإمّا يُقنعهم ويؤيّدونه.
ويعتقد الحزب، وفقَ مُطّلعين على موقفه، أنّ حصول الحوار بينه وبين «المستقبل» حتّى إنْ لم يُحقّق نتائجَ سريعة، فإنَّ مجرّد حصوله من شأنه إشاعة مناخات إيجابيّة تُخرج البلاد من حال التشنّج المذهبي والطائفي التي تسودها، وتؤسّس لمرحلة جديدة تُعالَج خلالها كلّ القضايا الخلافيّة بين مختلف الأفرقاء السياسيّين.
لكنّ الحزب، ووفقَ المطّلعين على موقفه أنفسِهم، يعتقد أنّ «المستقبل» لن يُبادر إلى الحوار معه إلّا بعدَ انتهاء الإدلاء بالشهادات التي بدأها أمس النائب مروان حمادة أمام المحكمة الدوليّة، وكذلك بعد انتهاء جولة المفاوضات الجارية حاليّاً بين إيران والدوَل الغربيّة في 24 من الجاري واحتمال خروجها باتّفاق، في ظلّ التوقّعات الشائعة في هذا الصدَد.
ويكشف المطّلعون أنّه، خلافاً لما أشاعهُ البعض، فإنَّ اللقاء الأخير بينَ وفد من «حزب الله» برئاسة رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد وبين قائد الجيش العماد جان قهوجي في اليرزة لم يأتِ على ذكرِ انتخابات رئاسة الجمهوريّة لا من قريب ولا من بعيد، فلا وفد الحزب تحدّث في هذا الأمر، ولا قهوجي أيضاً، فالوفد هنّأ قائدَ الجيش على النجاح الكبير في تنفيذ الخطّة الأمنيّة في طرابلس والشمال، وترَكّزَ الحديث على الخطّة الأمنيّة المقرَّرة للبقاع وضرورة أن تُنفَّذ كاملةً شاملة. وشدّدوا على أنّ كلّ الدعم سيُعطى للجيش لإنجاح مهمّته، ولن يكون هناك غطاءٌ لأحد.
وخلافاً لما ترَدّد من أنّ البعض في الرابية نظرَ بعين الريبة إلى لقاء اليرزة، أكّد المطّلعون على موقف الحزب، أنّ وفدَه برئاسة المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين خليل، الذي زار عون أخيراً، نقلَ إليه موقفَ الحزب من موضوع الحوار الذي يُعمَل على إطلاقه بينه وبين «المستقبل»، والغاية المرجوّة منه.
إلى ذلك، عندما يُسأل مرجع سياسيّ، هل إنّ استمرار تمسُّك عون بترشيحه هو «العقدة» التي تحول دون انتخاب رئيس جمهوريّة جديد حتّى الآن؟، يُجيب: «هناك أفرقاء يؤيّدون عون، وأفرقاء لا يؤيّدونه، ونحن قلنا لهُ إنّنا معكَ طالما أنتَ مستمرّ في ترشيحك، لكن إذا لم تحظ بالتأييد المطلوب، فينبغي أن نبحث نحن وإيّاك في اسم مرشّح توافقي».
ويضيف: «الرأي الأقوى والأبرز في اختيار الرئيس التوافقيّ سيكون لعون، وهذا واقعٌ ولا أحد يستطيع تجاهله، لأنّه رئيس الكتلة النيابية المسيحيّة الأكبر في مجلس النواب». ويؤكّد «أنّ التوافق بمعزل عن عون لا يتمّ، لأنّ له الرأي الأوّل في الشارع المسيحي، وكذلك لا يتمّ هذا التوافق بمعزل عن الآخرين أيضاً».
وإذ يُشير المرجع نفسه إلى أهمّية حصول الحوار بين «المستقبل» وحزب الله بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسيّ، يقول إنّ هذا الأمر مهمّ أيضاً بالنسبة إلى العمل الذي انطلقَ أمس في اتّجاه إقرار قانون انتخابيّ جديد تُجرى الانتخابات النيابيّة في أقرب وقت على أساسه لتخليص المجلس والنوّاب من تهمة التمديد التي بدأت تُلاحقُهم.
ويلفتُ المرجع إلى أنّه تمَّ خلال جلسة إقرار قانون التمديد للمجلس الالتزام بأمرَين هما: قانون انتخاب وانتخاب الرئيس. ويقول المرجع: لرئيس الجمهوريّة رأيٌ في قانون الانتخاب العتيد، لذلك بدأنا العمل على إقرار القانون الانتخابي المختلط الذي يعتمد النظامَين الأكثري والنسبي معاً، بحيث يُنتخَب نصف عدد النواب (64 نائباً وتكون المحافظة دائرة انتخابيّة واحدة) على أساس النظام الأكثري، والنصف الآخر (64 نائباً ويكون القضاء دائرة انتخابيّة واحدة) على أساس النظام النسبي. وهذا القانون يحتاج مناقشةً طويلة، نظراً إلى الكَمّ الكبير من المواد (140 مادة)، وكلّ منها يتطلّب مناقشة.
ويُضيف المرجع: «إذا توافقنا على هذا القانون المختلط، فإنَّ ذلك سيُساهم في تحسين الأجواء لانتخاب رئيس جمهورية، وعندما نُقرّه نضعُه جانباً وننتخب الرئيس الجديد، ثمّ نعرضه عليه ليُبديَ رأيه فيه ثمّ نقرّه، وبعدَ ذلك نقصّر مدّة الولاية النيابيّة الممدّدة ونبادر إلى إجراء انتخابات نيابيّة على أساسه».