IMLebanon

بعد التمديد… حوار أم مكابرة ومراوحة؟

بعد النجاحات الأمنية والعسكرية للجيش في طرابلس وصيدا، كيف سيكون المشهد الأمني في المرحلة المقبلة؟ وهل القضاء على «حلم الإمارة» يَعني انتهاء محاولات التكفيريّين زعزعة الاستقرار والعمل على ضرب الجيش والمؤسسات؟

المتّفق عليه، أنّ مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية للخلايا الإرهابية في الأيام الأخيرة الماضية وتفكيكها، أنقَذ لبنان من «خضّات مميتة». الإنجاز الأمني الذي تحقَّق في صيدا لا يقلّ أهمّية عن معركة الجيش شمالاً، وفي الحالتين كنّا أمام اختبار جدّي للقرار السياسي أوّلاً، ولاستعداد المؤسّسة العسكرية وقواها الامنية في مواجهة المخاطر ثانياً.

القرار السياسي المتمثّل بدعم رئيس الحكومة وتسهيل تيار «المستقبل» كان جزءاً مهمّاً من المعركة. والأهم أنّ الجيش كان يقاتل بظهير سياسيّ مريح نسبياً، على رغم بعض التصريحات والخطابات الشعبوية وذات البعد المذهبي والمناطقي.

المتابعون لهذا الملف يتّهمون «المستقبل» بتسهيل حركة المتطرّفين ضمن البيئة التي يُمثل في بدايات ما يسمّى «الثورة السورية». كان الرهان أن يسقط النظام السوري في غضون أشهر، وكان لا بدّ من خَلق حالات متطرّفة لوضعها في وجه «حزب الله» عندما يحين أوان وضع اليد على لبنان.

كلّ هذه السيناريوهات فشلت انطلاقاً من سوريا وصولاً إلى لبنان، وأصبحت «ورقة التكفيريين» تمثّل ضغطاً على «المستقبل» نفسِه بدلاً من أن تكون ورقة ابتزاز سياسيّ واستخدامات «غير نظيفة» كما كان المخطط.

في السياق نفسه، جاء كلام الرئيس سعد الحريري الأخير، والمتضمّن موقفاً متقدّماً في دعم المؤسسة العسكرية وتحصينها، ليُصحّح ما قام ونشأ وترَعرع في حضن «التيار» خلال ثلاثة أعوام مضَت، حيث كان التحريض السياسي والإعلامي على أشدّه، وفي ذلك مصلحة «مستقبلية» أوّلاً، ولبنانية ثانياً.

منذ الافتراق التركي – القطري – السعودي في سوريا، وتأليف حكومة الرئيس تمام سلام بلا شروط تعجيزية من نوع خروج «حزب الله» من الميدان السوري، كان واضحاً أنّ كلّ منطقة أو مدينة تسقط في أيدي التكفيريين، إنّما تسقط أيضاً من دائرة النفوذ السعودي لتنتقل إلى دائرة النفوذ التركي – القطري.

ومن أجل ذلك كان قرار الحدّ من الخسائر وعدم تسليم مناطق النفوذ السعودي إلى التكفيريّين الذين انتقلوا أخيراً إلى منطقة نفوذ وعلاقة مميّزة مع كلّ من أنقرة والدوحة. هذا الانتقال له أسبابه الكثيرة، وأهمّها موقف الرياض من حكم «الإخوان المسلمين» ودعمها الإطاحة بهم في القاهرة، ثمّ انخراط السعودية بطلب اميركي في التحالف الدولي ضد «داعش».

هذان الحدثان أثّرا مباشرةً في موقف الحركات التكفيرية من السعودية، وجعلا الموقف التركي – القطري في هذا الشأن انتهازياً، أو لنقل مصلحياً يعرف كيف يخاطب واشنطن وأين يبتزّها.

قد تكون قضية العسكريين المخطوفين جزءاً من الاشتباك التركي – القطري – السعودي. وهذا أيضاً ينسحب على «تخلّي» تيار «المستقبل» عن حالات تكفيرية في لبنان كان يرعاها ويعرفها جيّداً، وقد استفاد لبنان من هذا التناقض، ما جعلَ معركة الجيش في الشمال وتفكيك الخلية الإرهابية في صيدا يمرّان بضجيج سياسيّ أقلّ وتحريض أقلّ، وشعبوية أقلّ.

من شأن موقف الحريري الجديد، ودعوته الصريحة إلى الحوار مع «حزب الله»، أن ينعكس إيجاباً على لبنان طالما إنّ الفريق الذي نفى وجود التطرّف في لبنان أصبح مقتنعاً بأنّ محاربة الإرهاب أولوية.

المكابرة السياسية ستمنع فريق «14 آذار» من التسليم للحزب بمشروعية معركته مع الإرهاب، لكنّ هذا التفصيل يمكن القفز فوقه إذا جرى تعويضه مزيداً من الدعم للجيش ومزيداً من رفع الغطاء عن الحالات المتطرّفة والتكفيرية.

هذه الأجواء يمكن صرفها الآن في لبنان، وجعلها مقدّمة لحوار في شأن مكافحة الإرهاب وإعادة ترميم السلطة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

فهل تكون مرحلة ما بعد التمديد مرحلة حوار وتفاهم الحد الادنى؟ أم سنظلّ نراوح في المكابرة تحت عناوين سقطت في كلّ الإقليم وصار ينبغي الانتهاء منها في لبنان؟