IMLebanon

حواران خارج الدولة والدستور والقانون

ليس عند السياسيين حل لمسألة شغور المنصب الرئاسي، لأنه مرتبط بصراعات اقليمية. عذرٌ أقبح من ذنب ولا يبرر عجزهم، ومع ذلك فلنقل إن هذا هو الواقع ولا حَول ولا… لكنهم، على سبيل المثال، عاجزون عن ايجاد حلول لمشكلة قد تُغرق البلاد بالنفايات، وليست لديهم مقاربة واحدة لقضية سلامة الغذاء. وفي الأخيرة وجدنا وزراء يتهمون زميلهم وائل أبو فاعور بأنه يشخّص أكثر مما يعالج، وربما كان ممكناً اتهامه بالاستعراضية في بداية حملته، بسبب جدّتها وجرأتها، لكن مواظبته عليها أثبتت أنه مصرّ على القيام بعمله، في حين أن زملاءه المعنيين فضّلوا التشكيك في أهدافه على التشكيك في اتهامه أفراداً ومؤسسات بالفساد والإهمال والتساهل… لذلك، وانطلاقاً من المهزلة السوداء المعمّمة، يمكن التساؤل هل أن المسائل الحياتية تنتظر أيضاً توافقات اقليمية؟ طبعاً لا، وبالتالي فأيها الوزير، أينما كنت، افعل شيئاً أو فلتصمت، طالما أن “ديموقراطية التوافق الكاذب” لا تسمح للمواطن بأن يقول لك إرحل.

سيمضي بعض الوقت قبل أن يتلمس اللبنانيون نتائج الحوارَين، السنّي – الشيعي والماروني – الماروني، اللذين لم يتوازيا بعد، على أمل أن يلتقيا يوماً ما بانتخاب رئيس جديد. ورغم الاستحسانات المتواترة لأي حوار تكمن أهميته الأولى في أنه يحصل، أو لا يزال حصوله ممكناً، إلا أن الحوارَين يوحيان أيضاً بأن الأطراف السياسيين يحاولون التعامل مع أزمة مرشحة لأن تطول، أكثر مما يحاولون بلورة حلول لها. ذاك أن ثمانية شهور من دون رئيس للجمهورية أكدت أن اللاعبين في “ديموقراطية التوافق الطائفي” ليسوا قلقين ولا مستعجلين، فبعدما برهنوا إمكان تعايشهم مع هذا الوضع، ها هم يسعون بحواراتهم الى ابتكار ضوابط لتنظيم تعايشهم بعضهم مع بعض. لكن اجراء الحوارات بعيداً عن الحكومة، بصفتها أعلى مرجعية دستورية حالياً، يوحي بأن “الضوابط” المتوخاة ستأتي بالضرورة من خارج الدولة والدستور والقانون. صحيح أن هناك ملفات ذات طابع سياسي بحت أو حتى مسيحي بحت، خصوصاً بين “تيار عون” و”القوات”، وأن الطابع الأمني يطغى على حوار “المستقبل” و”حزب الله”، إلا أن التوافقات المحتملة لا بدّ من أن تنعكس على الأطراف الآخرين… لذلك، وانطلاقاً من هذين المسارين اللذين يقول أصحابهما إن الضرورة فرضتهما، يمكن التساؤل عن طبيعة الضمانات التي تغطّي هذه التوافقات، وهل يمكن أن تشكّل “ملحقاً ميثاقياً” لـ “اتفاق الطائف”، أو بديلاً من “مؤتمر تأسيسي” يرغب فيه “حزب الله” و”تيار عون”؟

لا شك في أن غياب رئيس للجمهورية جعل من هذين الحوارَين بديلاً من هيئة الحوار الوطني، وفيما رأينا أن تلك “الهيئة” كانت محدودة الفاعلية فإن وجودها لم يكن يمنع حوارات المذاهب لكنه كان سيُخضع توافقاتها لمنطق الدولة وأحكام الدستور.