تلاقي «حزب الله» ــ «المستقبل» في خلفية القرار
حوار «تلميع الصورة» بين «التيار» و«القوات»
توحي مناخات الحوار التي تتم إشاعتها في البلد ان الأمور تسير الى الحلحلة، او أقله ان هنالك أملاً ما بحلحلتها. واذا كان لقاء «حزب الله» –»تيار المستقبل» له امتداداته وتداعياته وحساباته التي تتجاوز، في بعض وجوهها، لبنان، فان تلاقي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» تصغر حساباته وتداعياته لتنحصر في الطرفين وجمهورهما، كما في «البيئة المسيحية»، وبدرجة نسبية على الصعيد الوطني.
ليس في ذلك انتقاص من دور الحزبين، بل على العكس. فـ «لبنانيتهما» او محاولات «لبننتهما» للاستحقاقات تحسب لهما وليس عليهما، ان نجحا فعلا في التلاقي والاتفاق.
لكن ما هي الاسباب التي قد تدفع التيارين، اللذين يستمدان بعضا من قوتهما اليوم من نفور أحدهما من الآخر وتصوير نفسه مناقضا له الى التلاقي؟
اذا كان الهدف، كما يحاول بعضهم الترويج، الاتفاق على مرشح ثالث لرئاسة الجمهورية، فان مروجي هذا الكلام لا يعرفون جيدا العماد ميشال عون. فلماذا قد يشارك «الجنرال» سمير جعجع في تقاسم ثمن تسوية لن تنجز الا بموافقته؟
الاكيد ان الفريقين يحتاجان الى تلميع صورتهما امام جمهوريهما، وتحديدا امام الرأي العام المسيحي، حيث ملعب منافستهما. هنا حاجة عون اكبر. فاذا استثنينا «العونيين» الذين يعتبرون ان رئاسة الجمهورية حق مكتسب ومشروع للعماد عون بما ومَن يمثل، فان شريحة «المحايدين» لم تعد تجد المبررات الكافية التي تقنعها بسلوك عون وعدم قبوله حتى مبدأ التفاوض حول اسم مرشح يرتاح اليه ويطمئن الى تعهداته. هؤلاء ليسوا قلة. وقسم كبير منهم ينحاز الى «التيار الوطني الحر» عند الاستحقاقات والانتخابات النيابية. اما اليوم فهم لا يجدون في مواقف «التيار» من الاستحقاق الرئاسي الكثير مما يُدَافع عنه.
في مقلب «القوات» تحتاج هي ايضا الى اقناع «المحايدين» الى ان خطاب «السلام والتمسك بالدولة والحرص على التعايش والتعددية»، الذي تبنته منذ خروج جعجع من السجن، هو خطاب صادق وليس من ضرورات المرحلة. فكيف يمكن تصديق قناعتها الراسخة بالشراكة مع «تيار المستقبل» وهي عاجزة عن مد اليد الى «التيار الوطني الحر». يحفظ جمهور «القوات» انجيل متى جيدا وفيه يقول: «اذهب وصالح أخاك ثم عُد وقرّب قربانك». وان نسوا يتكفل الكهنة في الكنائس بتذكيرهم.
وفي هذا المجال، لا يمكن اغفال دور هؤلاء في التأثير في الرأي العام. فَمِن على المذابح يسمع المسيحيون بشكل شبه دائم ان جزءا اساسيا من معاناتهم ومآسيهم يعود الى غياب التضامن في ما بين زعاماتهم، وغياب كلمتهم الموحدة، وتعذر اتفاقهم ولو على حد ادنى في القضايا المصيرية.
وسط هذا الضغط «المعنوي»، يأتي الكلام عن تلاق سني – شيعي عبر «حزب الله» و«تيار المستقبل». ومهما حاول الفريقان إبعاد شبهة توافقهما على رئيس للجمهورية من التداول، الا ان احدا من جمهورهما، قبل الجمهور المسيحي، لم تنطل عليه هذه المحاولة.
اضافت فكرة الحوار هذه عبئا اضافيا على «التيار» و»القوات». فكيف يبرران امام المسيحيين قدرة تلاقي حزبين لصراعهما امتدادات اقليمية وادوار لدول وقوى عظمى، ويتعذر عليهما التلاقي بالرغم من أن خلافاتهما لا تتجاوز احيانا الصراع على محلة في فتوح كسروان او شارع على اطراف عين الرمانة.
الاكيد ان «تلميع الصورة» ليس الهدف الوحيد للترويج الحاصل للتلاقي بين «التيار» و«القوات» وقيادتيهما، لكنه ايضا ليس تفصيلا صغيرا.
ففي المقابل، ومنذ فترة غير قليلة، جرت وتجري محاولات لفرض شخصيات مستقلة او تأطير حالات لها طابع «مدني» تحظى برعاية كنسية، تحمل هموما وقضايا مسيحية محددة. صحيح انها لا تشكل اليوم تهديدا للاحزاب الموجودة، لكن الاكيد انها يمكن ان تسبب لها الازعاج.
وبين هذه وتلك، تبقى الصورة والاجتماع اقل كلفة، خصوصا متى ترافقا مع إخراج مدروس من كلا الطرفين.