أعاد حديث الرئيس سعد الحريري في مقابلته الاخيرة على قناة “ال بي سي” مع الزميل مرسال غانم فتح كوة في جدار الاستحقاق الرئاسي، على الرغم من ان الردود عليها من اصحاب العلاقة بدت باردة بعض الشيء. لكن الحقيقة ان قبول الحريري الخوض في حوار مع “حزب الله” تحت بندي انتخاب رئيس للجمهورية، ومحاصرة نار الفتنة السنية – الشيعية، أعادا إنعاش الموضوع، بإعتبار ان الحديث في الرئاسة بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” يشكل ثقلا استثنائيا في المعادلة اللبنانية. فلا رئيس جديدا بوجود فيتو من احد الطرفين، ولا رئيس جديد إلا بتوافق الطرفين واتفاقهما على الاسم، أياً يكن. هذه حقيقة لا بد من التوقف عندها ما دام الانقسام المسيحي على حاله. وفي مطلق الاحوال لا يسع اي طرف لبناني، وان يكن مدججا بالسلاح حتى عنقه ان يفرض على بقية مكونات البلد القبول به. وقد كان واضحا من خلال كلام الحريري الاخير ان صفحة تأييد الجنرال ميشال عون لتبوؤ منصب الرئاسة قد طويت، وان الحديث الجدي يمكن ان يبدأ عن مواصفات رئيس تسوية جديد، وخصوصا ان الخلاف العميق بين “حزب الله” وحلفائه و”التيار الوطني الحر” في طليعتهم لم يتغير ولن يتغير، بل ان كل ما في الامر هو تمديد للتهدئة بين جناحي البلد الاساسيين، في انتظار ما سيحصل لاحقا.
واذا كان “حزب الله” اعتاد نقض العهود والاتفاقات، فهذا لا يعني بالضرورة الاحجام عن محاورته من دون ان ينسى الاستقلاليون لحظة واحدة انه مستعد في اي لحظة تلوح امامه فرصة للانقضاض عليهم بكل الوسائل التي يملكها، واهمها العمل الامني والعسكري، واداوته الاغتيالات والغزوات هنا او هناك.
وبالعودة الى الاستحقاق الرئاسي، يعرف “حزب الله” انه يستحيل ان يفرض رئيسا للجمهورية آتيا من منظومة ٨ آذار. ويعرف الاستقلاليون من جهتهم انهم غير قادرين على ايصال مرشحهم الى الرئاسة بالوسائل الديموقراطية بسبب ضغط السلاح المقابل. ولكن اذا انطلق الطرفان من هذه الحقيقة، فقد يحققان اختراقا كبيرا في جدار أزمة الشغور الرئاسي، ويسهمان الى حد بعيد في المحافظة على “التهدئة” المحمية اقليمياً ودولياً، والتي تناسب الجميع داخلياً، أقله في الوقت الراهن. وقد احسن الحريري حين حصر مواضيع البحث في موضوعي الرئاسة التي تشل البلد والمؤسسات، وبالامر الاكثر خطورة، ألا وهو الفتنة السنية – الشيعية الحاضرة اكثر من اي وقت مضى في لبنان. ومن هنا املنا ان يحقق الحوار المتوقع ان يبدأ خلال بضعة ايام هذا الاختراق الذي يريح البلد.
يدرك الاستقلاليون ان “حزب الله” لن ينسحب من سوريا، ولا احد في لبنان في وسعه ان يسحبه من تورطه المشين بدماء السوريين، لكن ربما مع بلوغ عدد قتلاه ألفاً وثلاثمئة قد يفكر قادته اكثر في عواقب تورط كهذا، لن يجر على “البيئة الحاضنة” المغرر بها سوى مزيد من الدماء والنعوش والاحقاد.
مرة جديدة نرحب بالحوار بعنوانه الرئاسي لتحديد شخص الرئيس التسوية ومواصفاته.