بالتقاطع مع المواقف الملتبسة بشأن العلاقات اللبنانية السورية، التي أخذت في الأيام الأخيرة الماضية، وماتزال، منحى تصاعدياً بالغ الدقة ومثيراً لأكثر من تساؤل وعلامة استفهام، متوزعاً بين فريقين رئيسيين، فريق يرفض بالمطلق ما اعتبره «تطبيعاً للعلاقات» وفريق لا يرى ان المسألة تحتاج الى كل هذا الضجيج بين بلدين متجاورين جغرافيا ومتداخلين وتربطهما علاقات تاريخية وحياتية ليست بنت اليوم او البارحة، بل عمرها من عمر وجود هذين الكيانين.. لاسيما وان لبنان هو من أكثر المتضررين من هذه القطيعة، على خلفية ان سوريا هي معبر لبنان الطبيعي الاقتصادي والتجاري والزراعي الى سائر الدول العربية..
بالتقاطع مع هذه التطورات بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الدعوة الى «لقاء حواري» في القصر الجمهوري في بعبدا، قبل ظهر بعد غد الاثنين «للبحث في مختلف أوجه الخلاف والتناقض واختلاف الآراء حول قانون سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، واستحداث بعض الضرائب لغايات تمويلها..
اللقاء الحواري سيغيب عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قد يكون ممثلاً بوزير المال علي حسن خليل، وسيحضره رئيس الحكومة سعد الحريري كما وسائر الافرقاء المعنيين ابتداءً من الهيئات الاقتصادية والقطاع المصرفي والمهن الحرة التي تعارض الضرائب كما وتعارض السلسلة لأسباب كانت أفصحت عنها في مرات سابقة ولقاءات مع الرئيس عون، الذي وجد نفسه أمام خيارات داهمة وضاغطة وعليه ان يتخذ الموقف الملائم من خيارات دستورية متاحة لرئيس الدولة..
كان مجلس النواب أقر السلسلة، كما وأقر بند تمويلها، وتمت احالتهما الى رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 24 تموز الماضي، خلافاً لرؤية رئيس الجمهورية الذي كان، ولايزال متمسكاً بضرورة اقرار مشروع الموازنة العامة والموازنات الملحقة لسنة 2017 قبل اقرار قانوني السلسلة وتمويلها.. الأمر الذي رأى فيه مخالفة للانتظام المالي العام، خصوصاً وأن لبنان يعاني من مديونية عالية، تتزايد سنة بعد سنة وتتآكل معها قدرات الدولة لتحقيق النمو الفعلي الذي كان وعد به على ما تقول مصادر مقربة من الرئيس عون.
يتطلع رئيس الجمهورية الى لقاء الاثنين المقبل على أنه حاجة ضرورية من أجل الوصول الى حلول تراعي مصالح جميع اللبنانيين، حيث سيلتقي على طاولة الحوار المتضررون والمستفيدون والمعترضون على السلسلة او الضرائب لتبادل الآراء من دون ان تكون لديه اشارات او دلالات او وعود بأن شيئاً ما سيتبدل، مادامت مواقف المعنيين من الهيئات الاقتصادية والمصرفية والمهن الحرة والمؤسسات التربوية والقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية والمتقاعدين في السلك العسكري كما والاتحاد العمالي العام وموظفي القطاع العام، معروفة وواضحة، وكل فريق يتمسك بمطالبه.. الأمر الذي يضع طاولة الحوار أمام مطبات بالغة التعقيد والصعوبة ويجعل الخروج بصيغة مشتركة شبه أعجوبة..
في قناعة عديدين، ان الاشكالية التي أثارتها سلسلة وما صحبها من ضرائب هي امتحان جديد لأركان الدولة عموماً، خصوصاً وأن تداعياتها تطال المجتمع اللبناني برمته، وأن القوى السياسية أمام مسؤولياتها في انجاز حلول تساهم في الوصول الى قواسم مشتركة وإلاَّ، فإن البلد مفتوح على العديد من الخيارات الصعبة، وهو يمر بكم من الأزمات التي كان بغنى عنها من مثل الأزمة المستجدة بشأن التواصل اللبناني – السوري..
على مدى الأيام الماضية كان رئيس الجمهورية يستقبل المراجعين، وهم موزعون بين مطالب برد قانون السلسلة وبين مطالب بالتوقيع لابرامه في المدة القانونية.. ولم يخف، طوال الفترة السابقة مواقفه، على الرغم من شد الحبال بينه وبين الرئيس نبيه بري، الذي كان يعطي الرئيس عون حق الرد، لكنه في الوقت عينه كان يستبعد ذلك.. وتأسيساً على ذلك، فلم يكن أمام رئيس الجمهورية العديد من الخيارات والمخارج سوى ان يدعو الى طاولة الحوار هذه التي استبقها بلقاء مع وزير المال علي حسن خليل الذي أوضح أنه بحث مع الرئيس عون «الأوضاع المالية العامة في البلد والتفاصيل المتعلقة بسلسلة الرتب والرواتب بشقيها الواردات والنفقات..».
يؤكد مقربون من الرئيس عون ان الدعوة الى طاولة الحوار لم تأتِ من فراغ.. بل هي نتيجة ما تراكم لدى رئيس الجمهورية من معطيات تتوزع بين معترضين ورافضين ومؤيدين ومؤيدين بتحفظ وبشروط، مع تلويح الفريقين بالتصعيد، كل حسب ما لديه من امكانات.. الأمر الذي دفعه الى المبادرة لجمع كل الجهات المعنية حول طاولة حوار لمناقشة المسألة البالغة الأهمية بغية التوصل الى توافق حول التعديلات التي يجب او يمكن اجراؤها على قانوني السلسلة والايرادات المالية..».
يتجنب المقربون مقاربة النتائج من قبل حصول اللقاء، وهم على قناعة بأن السلسلة حق، وهي تراوح منذ سنوات، لكن من المبالغة التسرع والمزايدات في انجاز مسألة اثارها السلبية أعمق وأكثر تأثيراً من ايجابياتها.. وان طاولة الحوار ليست تعبيراً عن تخبط بقدر ما هي دلالة على ان «ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك»؟!