استقطبت نقطتان اساسيتان الاهتمام الاعلامي والسياسي في الحديث الاخير للرئيس سعد الحريري احداهما تتعلق باعلان نيته خوض الحوار الذي يتم التمهيد له منذ بعض الوقت مع “حزب الله” ووضعه تحت سقف تخفيف الاحتقان السني الشيعي في البلد كما ان هناك موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وحسمه الذهاب الى رئيس توافقي مما قضى على رهانات العماد ميشال عون بامكان احياء فرصته في انتخابه رئيسا. وعلى رغم اهمية هاتين النقطتين، الا ان ما توقفت عنده مصادر سياسية عدة شمل نقاطا اخرى لا تقل اهمية من بينها في شكل خاص:
اشارة الحريري في معرض قوله ان “هناك ملف انتخاب رئيس للجمهورية للتفاوض الى جانب تخفيف الاحتقان وهناك حكومة جديدة بعد انتخابه واهم شيء انتخاب الرئيس والحكومة والانتخابات”. ما يعني ان البحث سيبدأ مع الحزب من نقطة انتخاب الرئيس الى كل متكامل بحيث لا تقتصر الامور على حلحلة عقدة فتعود تتعقد في مكان آخر فضلا عن ان الصفقة المتكاملة تسهل الاتفاق من حيث تأمين الضمانات للجميع حول مواقعهم على الاقل. فانتخابات رئاسة الجمهورية لا يمكن ان تأتي وحدها من دون الاتفاق على الحكومة وقانون الانتخاب العتيد ايضا. ومن هذه الزاوية يتم الحديث عن بدء الحوار الذي سيستغرق بعض الوقت باعتبار انه لن يقتصر على تيار المستقبل والحزب وان كان سيبدأ بهما بل سيتطور ليشمل الجميع، من دون ان يعني ان المهمة ستكون سهلة وبلا عقبات. اذ ان الحريري قال انه لن يذهب الى انتخاب شخص من دون التشاور مع حلفائنا ويعتقد ان الامر سيكون مماثلا بالنسبة الى “حزب الله” ما يعني ان نتائج الحوار لن تكون خلال اسابيع بل خلال اشهر بحيث يطغى ترجيح بروز نتائجه في الربيع المقبل اي ما بين آذار ونيسان المقبلين من دون اهمال استمرار البعض في الاصرار على ربط هذا الموعد بالاتفاق السياسي المرتقب بين ايران والدول الكبرى مجددا قبل الانتقال الى النقاط التقنية في الربيع المقبل.
قول الحريري انه من الواضح اننا “نتجه الى انتخاب رئيس من خارج قوى 14 و8 آذار” يقضي ضمنا على اي فرصة للمرشحين الذين اجتمعوا تحت سقف بكركي وحصروا الترشيح بانفسهم فقط وادت منازلتهم لبعضهم البعض الى تطيير كل منهم الآخر. وتاليا لا فرصة للرئيس امين الجميل ولا كذلك للنائب سليمان فرنجيه. واهتمت المصادر المعنية بمعرفة ما اذا كان تحديد الحريري لذلك يعني ان الانطلاق في الحوار سيتم على قاعدة انتخاب رئيس من خارج الاصطفاف السياسي وانه تم الاتفاق على ذلك ام ان هذا سقفه للبدء في الحوار في حين ان الحزب سيبدأ في الحوار من منطلق اصراره على العماد عون وطلب تنازلات جمة قبل الانتقال الى مرشحه الثاني وقس على ذلك، وذلك على رغم التقاء مصادر محلية وخارجية على الجزم بان بعض الترشيحات طويت صفحتها واخذت مداها من دون ان تحقق اي نتيجة لكنها ستبقى مطروحة لتحصيل الاثمان الباهظة. وتقول هذه المصادر انه ينبغي اخذ موقف الحريري استنادا الى جملة لقاءات وخلاصات من لقاءات خارجية اقليمية ودولية بنى موقفه على اساسها وليس من معطيات محلية فحسب ما يعطي لهذا الموقف ابعادا تماثل الى حد كبير الاختراق الذي حققه في موضوع حكومة الرئيس تمام سلام في ما اعلنه يومئذ من امام مبنى المحكمة الدولية في لاهاي. فمن باريس التي تتحرك على خط اجراء اتصالات مع كل من ايران والمملكة السعودية اعلن الحريري مواقفه الاخيرة بما لا يمكن عزله عن مجريات اتصالات اجرتها العاصمة الفرنسية اخيرا ونقلت نتائجها الى المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري.
واعلان الحريري انه يتبنى كل كلمة قالها النائب مروان حماده امام المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري هو امر مهم لاعتبارات عدة من بينها ان حماده كشف حيثيات مهمة وضعت عملية الاغتيال في سياقها السياسي بعيدا من المسألة التقنية في تنفيذ عملية الاغتيال، وصولا الى اعلانه “ان عودة الاغتيالات لا تعني التوقف عن النهوض بالبلد”. وهو امر يعيد الى الواجهة كل المحاولات التي قام بها متجاوزا ما حصل منذ 2005 ما يقسم جمهور 14 آذار بين اتجاهين في هذا السياق: احدهما ان الرجل هو سياسي ورجل دولة لا يمكن ان يتخلى عن تكرار المحاولات من اجل الحفاظ على البلد. والاتجاه الآخر يخشى من ان يفهم مد اليد للحوار استعدادا متجددا من اجل التنازل من فريق سعى في كل مرة الى توظيف الحوار في خانة الضعف والاستعداد للتنازل لدى الفريق الاخر خصوصا ان “حزب الله” يفرض في كل مرة واقعا ولو باعتبارات اقليمية من خلال الابقاء على ما يعتبرها اوراق قوة له على ما هي عليه بالنسبة الى استمرار تورطه في الحرب السورية واقفال كل مطالبة على استراتيجية دفاعية تتناول سلاحه. هذا في حال التسليم بان الحوار سيكون جديا من جانب الحزب كما اعلن الحريري جديته في شأنه.