لقد تمّ تحميل الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» أكثر ممّا يحتمل، وهذا طبيعي نتيجة الاحتقان الموجود في البلد، فيما الخطوة الحوارية تحولت بديهية اعتباراً من اللحظة التي قرر فيها الرئيس سعد الحريري المشاركة في حكومة واحدة مع «الحزب» متجاوزاً اشتراط انسحابه من سوريا كمدخل لحكومة شراكة.
قرار العودة إلى المساكنة الحكومية هو الأساس والباقي تفاصيل ومتممات، لأنّ السلطة التي تضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات هي مجلس الوزراء، فيما الحوار هو إطار معنوي مساعد لا أكثر ولا أقل.
فلَو سبق الحوار تأليف الحكومة كان إعطاء هذه الخطوة حجمها ودلالاتها في محله، ولكن أمّا وقد تلت الحكومة، التي كسرت قرار الجلوس حول طاولة تجمّع الصقور من الطرفين، فأصبحت عملياً خطوة طبيعية باستثناء حالة واحدة.
ويبدو أنّ هذه الحالة بالذات التي أعطت لهذا الحوار حجمه وهالته ورونقه، تتصل تحديداً بالمفاجآت أو الاختراقات التي يمكن أن تتحقق بنتيجته، لأنه خلاف ذلك ما الحاجة لحوار من الصف الثاني، بعد أن رَحّل الحريري اللقاء مع السيد حسن نصرالله إلى مرحلة أخرى بعيدة، خصوصاً أن قيادات هذا الصف يلتقون في مجلس الوزراء.
فكان يكفي أن يتشاور الوزير نهاد المشنوق مع الوزير محمد فنيش على هامش جلسة مجلس الوزراء، أو الوزير أشرف ريفي مع الوزير حسين الحاج حسن، وتلتقط الكاميرات صوَر حواراتهما الثنائية، من أجل إيصال الرسالة المطلوبة لقواعد الطرفين.
وكان يكفي أيضاً أن يقوم وفد من «حزب الله» بزيارة رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على غرار الزيارات التي يقوم بها الحزب لحلفائه، وأن يردّ السنيورة الزيارة على رأس وفد من «المستقبل».
ولكن أمّا وأنّ الطرفين قررا الدخول في حوار ثنائي، وعبر الممثلين الشخصيين للحريري ونصرالله، فهذا يعني الآتي:
أولاً، التهيئة للقاء نصرالله-الحريري الذي لم يستو بعد، ويأتي تتويجاً لاختراقات وطنية وسياسية. فالمسار الأسلم للحوار هو ألّا يبدأ بلقاء قمة نظراً للهوة القائمة بين الطرفين، وغياب عامل الثقة، وتراكم الخلافات والتباينات، خصوصاً أنّ فشل لقاء من هذا النوع تكون ارتداداته سلبية على الشارع، فيما عدم توَصّل قيادات الصف الثاني إلى نتائج عملية لا يتم تحميلها أكثر ممّا تحتمل، فتكون مجرد محاولة بنيّات طيبة لصيانة الاستقرار، فضلاً عن أنّ الحريري ليس مضطراً لحرق ورقة بهذه الأهمية من دون مقابل عملي.
ثانياً، تقاطع سعودي-إيراني على تحييد لبنان بمعزل عن اعتبارات كل طرف بين أولوية الاستقرار لدى الرياض وأولوية ترييح طهران لـ«حزب الله» من أجل أن يواصل معركته في سوريا.
ثالثاً، كسر حلقة الجمود السياسي من خلال الحوار. فالمحاولة تستحق على رغم احتمالات الخرق الضعيفة، لأنّ البديل هو استمرار الجمود، فضلاً عن أنّ المراوحة يمكن أن تؤدي إلى تدهور الوضع في حال لم يُصر إلى صيانته عن طريق الحوار.
رابعاً، ولّد الحوار انطباعاً بأنّ هناك شيئاً إضافياً يمكن التفاهم حوله، وهذا الشيء متروك للحوار نفسه ويبدأ من إعطاء الضوء الأخضر للدولة بأن تتصرّف بحزم مع كل المُخلّين بالقانون بمعزل عن انتماءاتهم المذهبية والمناطقية، وصولاً إلى التوافق على مبدأ انتخاب رئيس توافقي.
خامساً، تحويل الحوار إلى غطاء أو ممر إلزامي لتمرير الانتخابات الرئاسية برعاية إقليمية وغربية، لأنّ كسر حلقة الفراغ يتطلّب مساراً وآلية وإطاراً، ويبدو أنّ وظيفة الحوار ستكون العبور نحو التوافق الرئاسي.
ويبقى أنّ مَن يرتضي المساكنة في الحكومة عليه أن يحاور، وإلّا الذهاب إلى القطيعة مع «حزب الله». وبما أنّ القطيعة غير مطروحة والتنسيق الحكومي قائم، فلا بأس من حوار يُدعِّم هذا التوجه، والحوار في هذا السياق والمسار هو أفضل من لا حوار.