أكدت العملية الأمنية الناجحة بامتياز في سجن رومية أنه كلما كان القرار السياسي واحداً استطاعت القوات المسلحة القيام بواجباتها على أحسن وجه، وكلما كان هذا القرار مغيّباً أو موضوع خلاف، فإن هذه القوات، مهما بلغ عديدها، لا تستطيع ذلك. وهذا معناه أن الدولة قادرة وراغبة عندما يكون أهل السياسة راغبين وقرارهم واحداً.
لذلك يمكن القول إن عملية سجن رومية هي أولى ثمرات الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، وأول امتحان للوحدة الوطنية التي ظلت صامدة في طرابلس بعد تفجيري جبل محسن، فخيّبت آمال من أرادوا مرة أخرى إشعال الفتنة، وإلا لما كانت عملية سجن رومية تمت بنجاح، ولا كان هذان التفجيران مرا من دون مضاعفات، بل كانت العودة إلى تبادل الاتهامات بين بعض زعماء المذاهب والطوائف لتشعل الفتنة.
الواقع ان المحافظة على الأمن والاستقرار في المرحلة الدقيقة الراهنة ومحاولة إبعاد نار الجوار عن لبنان بالحوار الجدي والمسؤول، هما أهم إنجاز وينبغي استكماله بتنفيذ خطة أمنية تشمل كل المناطق اللبنانية، وليس في مناطق من دون أخرى، ذلك أن الأمن هو كلّ لا يتجزأ وإلا كان أمناً استنسابيّاً وانتقائيّاً يثير الحساسيات السياسية والمذهبية عندما يميز في تطبيق القانون بين منطقة ومنطقة وبين فئة لبنانية وفئة أخرى، لا بل ان المنطقة التي لا تكون خاضعة لسلطة الدولة تتحول ملاذا للمجرمين والارهابيين لينطلقوا منها الى مناطق اخرى لزعزعة الامن فيها. لذلك من الاهمية بمكان ان يتفق المتحاورون في عين التينة على تنفيذ خطة أمنية تشمل كل لبنان. واذا كانت الظروف الراهنة لا تسمح بجعل كل المناطق منزوعة السلاح، يمكن الاكتفاء بمنع اي ظهور مسلح فيها واستخدام السلاح تحت طائلة المسؤولية والملاحقة ونزع السلاح الظاهر.
وعندما تصبح كل المناطق اللبنانية تحت سلطة الدولة وحدها ولا شريك لها فيها، يصير في إمكان القوات المسلحة، خصوصا بعد أن يكون قد تم تسليحها بأموال الهبة السعودية، حماية الحدود والتصدي لكل معتدٍ ومواجهة الارهاب ايضا.
لقد اصبح الامن والاستقرار في لبنان بحماية مظلتين خارجية وداخلية، ما يجعل في الإمكان النهوض بالاوضاع الاقتصادية والمالية وجذب الاستثمارات وإيجاد فرص عمل تحد من هجرة الشباب. وعندما ينعم لبنان بالامن والاستقرار فإنه يصبح في الامكان ايضا اجراء انتخابات نيابية في اجواء هادئة وسليمة بعد التوصل الى اتفاق على قانون عادل ومتوازن يؤمن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، والبحث في ما يحتاج إلى تعديل في دستور الطائف تحقيقا لمزيد من العدالة والانصاف بين كل مكونات لبنان، بحيث لا يعود أي رئيس للجمهورية يلاقي ما يلاقيه حاليا من صعوبات وما يواجهه من ازمات عند تشكيل الحكومات وعند اتخاذ القرارات المهمة، لانه عندما يكون القرار السياسي واحدا والشعب واحدا موحدا فإن الدولة تصبح قادرة وقوية بكل مؤسساتها وسلطاتها. ولكن عندما ينقسم القرار السياسي وينقسم الشعب فإن كل المؤسسات والسلطات تفقد قدرتها على العمل وعلى انجاز ما هو مطلوب منها، وهو ما حصل في الماضي فكانت الحرب الداخلية العبثية المدمرة.
الى ذلك، يمكن القول إن الحوار السني – الشيعي حقق اول انجاز مهم وهو ترسيخ الامن والاستقرار بجعل الدولة وحدها قادرة وصاحبة القرار الواحد. فهل يتوصل الحوار المسيحي – المسيحي الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يفتح انتخابه الباب واسعا لمصالحة وطنية شاملة وحقيقية تطوي صفحة الماضي بكل مآسيها وتفتح صفحة جديدة تبدأ بالعفو والتسامح والغفران عن كل ما جرى وتنتهي بقيام الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، دولة تعتمد سياسة الحياد والابتعاد عن صراعات المحاور بكل اشكالها، فيصبح لبنان عندئذ، فعلاً لا قولاً، “سويسرا الشرق”؟