IMLebanon

حوار سنّي – شيعي في العمق

حَدثان كبيران شهدَتهما الساحة اللبنانية، ما كانا ليحصلا لولا الحوار القائم في العمق بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، برعاية السعودية وإيران مباشرةً.

الحَدث الأوّل تمثّلَ بردّة الفعل التي تلَت تفجير جبل محسن، إذ كان حدثٌ مماثلٌ يؤدّي في العادة، إلى احتدام الأجواء واحتقان الوضع والاندفاع نحو المواجهة ومزيد من الدماء.

ووفقَ هذه الحسابات ربّما، اختير شابّان من منطقة في طرابلس لا تبعد سوى بضع مئات الأمتار عن مكان التفجير، والنيّة واضحة بدفع الأمور نحو صدام دموي. لكنّ العكسَ حصل، والتحريض السياسي الذي كان يواكب الأحداث المؤلمة سابقاً انقلبَ دعوةً إلى التلاقي، لأنّ الزمن هو زمن حوار.

لكن من التسرّع في مكان حصر أهداف «داعش» أو «النصرة»، لا فارق، بإحداث صِدام داخلي انتقاماً لتفجيرَي مسجدَي «التقوى» و«السلام»، بعد إثارة الجريمة مجدّداً مع الحديث عن تدهور الحال الصحّية لرئيس الحزب العربي الديموقراطي علي عيد، وبالتالي احتمال عودته إلى منزله.

ففي تدقيقٍ سريع، اختارَ التنظيم المتطرّف الانتحاريّين على عجَل، وقبل شهر واحد في حَدّه الأقصى من موعد تنفيذ الجريمة. أحد الانتحاريين معروف من أبناء المنطقة بسلوكِه الأخلاقي المنحرف لجهة تعاطيه المخدّرات.

والعملية حُدّدت قبل نحو شهر، وهو الموعد الذي انطلقَ فيه فعلياً الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله». هذا الحوار الذي جاء نتيجة حوار آخر، لكن أكبر، ما بين السعودية وإيران، ويسير في صمتٍ مطلق ولو بوساطة من خلال سلطنة عمان، في انتظار أن تسمحَ الظروف ببدء المفاوضات المباشرة.

وكانت طرابلس قد شهدَت أوّل الإنجازات العملية للمرحلة الجديدة في المنطقة ولبنان، وأدَّت إلى إعطاء المملكة العربية السعودية من خلال تيار «المستقبل» الغطاء الكامل للجيش اللبناني لاستعادة الساحة الطرابلسية وضبطها وإنهاء كلّ أشكال التسيُّب والفلتان الأمني.

أمّا الحدث الثاني فيتعلق بإنهاء أسطورة سجن رومية. بالتأكيد لم تكن المسألة متوقّفة على قرار وزير الداخلية، ولو أنّها كذلك من الناحية النظرية. فملفّ سجن رومية هو ملف سياسي كبير كان يَحظى بالحصانة والحماية الخارجية لأكثر من سبب.

ففي بدايات الحرب السورية، درجَت نغمة «هروب» سجَناء إسلاميين من السجن الذي شهدَ أكثرَ من خمس حالات فرار متشابهة تقريباً. كان من السذاجة في مكان الاعتقاد أنّ هذا الهروب هو من «شطارة» السجناء.

في الحقيقة تردّدَت في الكواليس الديبلوماسية همسات عن ضرورة الإفادة من خبراتهم الأمنية والقتالية في الحرب السورية، وبالفعل ظهرَت جثث عدد من هؤلاء الفارّين في سوريا، وهم يقاتلون الى جانب المجموعات الإسلامية، وهي متعدّدة.

في مرحلة لاحقة، حظيَ الموقوفون الإسلاميون برعاية خاصة، أو على الأقلّ، بغَضّ نظر، يومَ كان النزاع يتفاقم على أساس مذهبي في لبنان. لقد راجَت نظرية أنّ التوازن مع «حزب الله» يستوجب الركون لخبرات هؤلاء، وأنّ إشغال الحزب في خاصرته اللبنانية هو اختصاص يتقِنه كثير من كادرات الإسلاميين في سجن رومية، والجميع يذكر الجدلَ السياسي والإعلامي الذي كان يواكب ملفّ رومية. ومِن غير المنطقي الاعتقاد أنّ الإسلاميين نجحوا في تهريب كلّ أجهزة الكومبيوتر والهواتف الخلوية ووسائل التواصل من دون علم المسؤولين عن السجن.

في أيّ حال، كان كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق معبّراً حين قال إنّه سيقطع رأس أيّ ضابط يساهم في تهريب أجهزة أو ما شابَه إلى السجناء من الآن وصاعداً. وهو ما يعني أنّ الذين كانوا يساعدون في التهريب معروفون لكي لا نقولَ إنّهم وُضِعوا في مواقعهم ليسمحوا بالتهريب.

وعلى رغم الكلام عن أنّ اقتحام إمارة سجن رومية جاء إثر اكتشاف علاقة بعض هؤلاء الإسلاميين بتفجير جبل محسن، إلّا أنّ ذلك لم يكن سوى العذر المعلن. فالحقيقة أنّ الردّ على رسالة جبل محسن كان بتدمير غرفة عمليات رومية، بعدما انتهى دورها، لكي لا نقول إنّ وظيفتها أصبحت تتعارض مع المستجدّات.

ولا بدّ من قراءة التطوّرات الخارجية التي سبقَت. فالمصالحة السعودية – القطرية حصلت منذ فترة لكن على أساس ومفهوم جديدين. هكذا أقفَلت قطر قناة «الجزيرة مباشر» والتي كانت تساند «الإخوان المسلمين» ضد السلطة المصرية، في وقتٍ باشرَت التيارات الإسلامية استهدافَها الامني المباشر في الخليج وفي أوروبا، حيث جاءت اعتداءات فرنسا الاخيرة.

وفي اختصار، يتماشى الحدثان اللبنانيان الكبيران مع التحوّلات في العالم. وإذا كان الاضطراب الأمني مطلوباً سابقاً، فإنّ إعادة ضبط الأوضاع أصبحت العنوان الكبير.

وهو ما يعني أنّ الحوار بين السنّة والشيعة في لبنان من خلال «المستقبل» و«حزب الله» يدخل في عمق الأوضاع، ما يؤشّر إلى خطوات أمنية إضافية ستحصل تحت عنوان استكمال الخطة الأمنية، بعد النجاح في تدمير إمارة سجن رومية، حيث ستتوجّه الدولة الى عصابات الخطف وسرقة السيارات في البقاع الشمالي.

أمّا بالنسبة الى الحوار المسيحي – المسيحي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وعلى رغم السرّية والطابع الجدّي المعطى له، فإنّ نقطة الارتكاز تبقى ملف رئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الإعداد مستمر لورقة تفاهم شاملة و«صعبة» بين الطرَفين، إلّا أنّ النقطة الأهمّ للنائب ميشال عون تبقى في انتزاع دعم واضح وصريح لوصوله الى قصر بعبدا، أمّا الدكتور سمير جعجع فيُريد من خلال ورقة التفاهم المشتركة أن يكون شريكاً في تسمية الرئيس المقبل، وهو ما يرفضه عون كونه يعرف تماماً أنّ هذا الدور يملكه بكامله، فلماذا التنازُل عنه مجاناً.