على عكس ما كان يتوقعه البعض، لم يتراجع رئيس الجمهورية ميشال عون عن دعوته للحوار، فحسم موقفه ببيان اصدره مكتبه الاعلامي امس، يعلن فيه ان الدعوة للحوار ستبقى مفتوحة كما المضي في اتخاذ كل مبادرة أو قرار يهدف الى حماية لبنان واللبنانيين، محملا الرافضين والمقاطعين مسؤولية ما يترتب على استمرار التعطيل الشامل للسلطات، ومعتبرا ان تعطيل جلسات مجلس الوزراء يعتبر تعطيلا متعمّدا لخطة التعافي التي من دونها لا مساعدات ولا إصلاحات، وهذا بحد ذاته جريمة لا تغتفر بحق الشعب، بحسب بيان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية.
الا ان كلام الرئيس عون واصراره على الحوار لم يبدل من مواقف الاطراف المقاطعة او الرافضة، وفي مقدمهم «المستقبل» و «القوات»، بعدما كان الرئيس الحريري قد اعتذر عن المشاركة، وسمير جعجع لم يبلغ رسميا اي موقف الا عبر الاعلام . فكيف قرأت مختلف الاطراف بيان بعبدا؟
مصادر موثوقة في «القوات» اكدت ان لا تبديل بالموقف، لان الحوار لن يقدم ولن يؤخر في الازمة السياسية والوطنية والمالية، كما ان العناوين التي يطرحها الرئيس اليوم كان يفترض به طرحها بمطلع ولايته الرئاسية لا في نهايتها، علما انه لن يستطيع تحقيق اي شيء منها، واكدت المصادر ان الرهان الاساس هو على اعادة انتاج سلطة جديدة من خلال صناديق الاقتراع تكون مخوّلة ادارة الحوار الوطني.
على خط «القوات» سار «المستقبل»، لكن بهجوم عنيف قاده المستشار الاعلامي للحريري حسين الوجه الذي كان غرد عبر «تويتر» قائلا: « محزن جداً ان تصل رئاسة الجمهورية ومكتبها الاعلامي الى حدود الإنكار الكامل لمسار التخبط الذي وضعت فيه البلاد.
ويتضاعف الحزن مع حالة البارانويا التي يعانيها العهد والحزب الحاكم. حالة يشخصها البيان الصادر عن الرئاسة بخصوص الحوار الوطني والمعترضين على انعقاده في هذا الظرف»، اضاف الوجه: «تنسى رئاسة الجمهورية انها تمثل الاب الروحي والسياسي لثقافة تعطيل المؤسسات وتعطيل الحوارات، وينسى فخامة الرئاسة انه مسؤول عن تعطيل رئاسة الجمهورية لاكثر من سنتين ونصف السنة، وان حزب الرئاسة الحالية مسؤول عن تعطيل الحكومة لسنوات وسنوات، وينسى ان خطة التعافي جرى اسقاطها على ابواب بعبدا».
كلام الوجه اضافت اليه اوساط بارزة في «تيار المستقبل» بالقول انها لم تستغرب ما صدر عن بعبدا «المأزومة» بعد المواقف المقاطعة والرافضة للحوار في المرحلة الراهنة، وتابعت الاوساط انها لا ترى جدوى للحوار في ظل مواقف العهد على مدى السنوات الماضية وفي ظل الاستراتيجية الدفاعية، وختمت بالقول: «جربنا حزب الله سنوات»!
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مقربة من الحريري ان عودة الاخير الى لبنان حتمية، لكن توقيتها بيده وحده، من دون ان تستبعد ان يكون في بيروت قبل نهاية الشهر الحالي معلنا موقفه الانتخابي.
ومن بيت الوسط الى المختارة، حيث حرصت مصادر بارزة مقربة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على التشديد ان الاشتراكي ليس من رافضي الحوار، وسألت: هل يحل الحوار ازمة مجلس الوزراء؟ اذا كان الامر كذلك فنحن اول المستعدين. وختمت المصادر الاشتراكية تعقيبا على تحميل بيان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية الرافضين والمقاطعين مسؤولية ما يترتب عن استمرار تعطيل المؤسسات سائلة: هل هؤلاء هم من يعطلون مجلس الوزراء اليوم؟
اما «تيار المردة» الذي رفض رئيسه سليمان فرنجية الحوار لا زيارة بعبدا، فجددت مصادره التأكيد بان الموقف لم يتبدل.
هذا على خط الرافضين للحوار، اما على خط المرحبين او بتعبير ادق، الغير ممانعين للحوار، كـ «حركة امل» وحزب الله، فاشارت مصادر في الثنائي الشيعي الى ان الطرفين اعلناها صراحة انهما مع الحوار.
اما في ما خص تعطيل جلسات الحكومة التي وصفها بيان الرئاسة بالجريمة بحق الشعب فعلقت المصادر بالقول: «هناك جريمة اكبر هي تسييس وتزوير القضاء».
وعما قيل عن عدم حماسة الرئيس بري للحوار ما ترجم بعدم زيارته بعبدا في اطار اللقاءات الثنائية، اكتفت اوساط مطلعة على جو عين التينة بالقول: «هل وجّه الرئيس دعوة رسمية للحوار وما لاقانا»؟
يبقى المرحّبون والداعمون حتى لحوار بمن حضر، اي تكتل لبنان القوي الذي كان عبّر رئيسه جبران باسيل صراحة عن موقفه من بعبدا، فاكتفت مصادر نيابية بارزة فيه بالقول: «بالآخر بدنا نقعد على طاولة الحوار، والحلول ستأتي عاجلا او آجلا عبر هذه الطاولة، فلنقرر مصيرنا بيدنا افضل من ان نذهب مرغمين لحوار من نوع آخر».
وبالانتظار صحيح ان الرئيس عون قال ان الدعوة للحوار ستبقى مفتوحة، لكن القول شيء والفعل شيء اخر، فمجرد عزم رئيس الجمهورية وارادته على المضي بالحوار لا يكفي لان تنعقد طاولة الحوار، كما تقول اوساط سياسية بارزة، فالحوار فشل، وكان من الانسب ان يعمد رئيس الجمهورية الى اجراء اتصالات من تحت الطاولة بالافرقاء المعنيين لجس نبضهم والتأكد مما اذا كان الجو والمناخ مؤات لحوار تطرح على طاولته في بعبدا مسائل اساسية كالاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الادارية والمالية وخطة التعافي المالي والاقتصادي، لا ان يعقد لقاءات ثنائية على الملأ.
وختمت الاوساط البارزة والمطلعة على جو الاتصالات واللقاءات التي حصلت بالقول:
«ما حدا رح يعطي الرئيس مكافاة بآخر ايام العهد»!
وعليه، هل يوجه رئيس الجمهورية دعوات رسمية لحوار بمن حضر او ان الحوار سيبقى دعوات كلامية وحبرا على ورق بظل رفض الغالبية للتحاور في بعبدا؟ على هذا السؤال تجزم مصادر مطلعة على جو بعبدا عبر الديار بالقول: لا دعوات رسمية راهنا لحوار بمن حضر والبيان الذي صدر سمى الاشياء باسمائها.
اما لمن يعتقد بان الحوار فشل فنقول ان الحوار نجح بشيء واحد وهو انه فضح المتورطين بتعطيل الدولة بكل مؤسساتها وسلطاتها والرئيس لن يتوانى عن الاستمرار بطرح كل ما من شأنه تطوير النظام!
ولعل الابرز في ما قالته المصادر المطلعة على جو بعبدا ومفاده: رئيس الجمهورية سيستمر بسعيه للحوار وقد نضطر لمواجهة اكبر، مع اننا نتمنى الا نصل لهذه المواجهة، عبر اقتراح الحلول التي من شأنها ان تحقق الانقاذ واضافت: «انشالله ما تبدا المواجهة بالبرلمان عبر التشكيك بصلاحيات الرئيس تجاه السلطة التشريعية، بمقتضى المادة 33 من الدستور لان الخطر عندها يصبح على الطائف ونحن من حماة الدستور بحسب المصادر التي ختمت بالقول: «صحيح ان المواجهة مفتوحة ولكن هناك رئيس جمهورية مسؤول لا مغامر»!