Site icon IMLebanon

فولكلور بري الحواري

 

«ما دمنا نعطّل مسار المؤسسات الدستورية وأنتم لا تستطيعون فعل اي شيء لوقف التعطيل، فلنتحاور»… هذه هي معادلة الرئيس نبيه بري الذي بدأ بتطبيقها بالتنسيق مع «حزب الله» في العام 2006، بعدما كاد موج 14 آذار يجرف منظومة الممانعة، فارتأى من يبتهج بلقب «ساحر الأرانب»، أنّ التوقيت قد حان لجر الجميع الى طاولة الحوار. وهكذا جلسوا حول الطاولة بعدما «تواضع» أمين عام «حزب الله» وقبل بالجلوس معهم، وكانت مناورة طويلة الأمد لم تنته الا بحرب تموز، وبما تلاها من تخوين واعتصام في وسط بيروت، ثم عملية ميليشيوية في بيروت والجبل، أدت الى فرض اتفاق الدوحة، الذي كان بداية الطريق للانقلاب على اتفاق «الطائف».

لا بد هنا في كل المراحل التي دعا فيها الرئيس بري للحوار أن يدرس التوقيت بعناية. عندما أسقط «حزب الله» حكومة الرئيس سعد الحريري من الرابية بلسان النائب جبران باسيل ومشاركة بري، لم يخطر على بال رئيس المجلس أن يدعو للحوار. وعندما فرض «حزب الله» ميشال عون رئيساً «ببندقية المقاومة» قبل انتخابه بسنتين، لم يدع بري للحوار، بل شارك ولو على الرغم منه، في وصول عون للرئاسة على اعتبار أنّ قرار انتخاب عون لم يكن مطروحاً للنقاش عند «الحزب».

لا يدعو بري للحوار إلّا بتنسيق مسبق مع «حزب الله»، ولا يكون توقيت الدعوة إلّا عندما يعجز «الحزب» عن تحقيق هدفه بشكل فظّ ومباشر، فيستدرج الجميع إلى طاولة تقطيع الوقت والصور الاستعراضية والجلسات التي تكثر فيها الثرثرة، وتقلّ الجدية. إنّه زمن شراء الوقت اذاً، فلماذا الذهاب إلى ملعب من يشتري الوقت بالمجان؟ ولماذا الخوف من مواجهة بري والقول له بصراحة: لست المرجع الصالح للدعوة الى الحوار، ولا ثقة بأنّ ما تدعو اليه هو حوار حقيقي، ولا ثقة بأنّ هذا الحوار لو خرج بنتائج ولو متواضعة أن يتم تنفيذها!!

فطاولة الـ2006 التي اتفقت على انشاء المحكمة الدولية وتحديد الحدود ونزع السلاح داخل المخيمات، تشهد بأن ما جرى كان انقلاباً على الحوار، كما أنّ اتفاق الدوحة يشهد بـ»القمصان السود» على أنّه ما من مصداقية لكل حامل بندقية، فبندقيته هي ضمانته، ومن أجلها ينقلب حتى على نفسه، وليس فقط على العزّل الذين يحاورهم.

هؤلاء العزّل في مواجهة السلاح، يضعهم رئيس المجلس كل مرة أمام خيارات صعبة. عند توجيه الدعوة إلى الحوار، يسأل الأعزل نفسه: أشارك أم لا؟ ويجيب: لا خيار إلّا المشاركة فلن أقف في مواجهة من سيتهمونني بأنني ضدّ الحوار، ولن تكون هناك خسارة من تكرار التجربة على الرغم من أنّ النتائج الاستعراضية معروفة سلفاً، فلا بأس للمؤمن في هذه الحالة أن يُلدغ من الجحر أربع مرات.

ينطبق هذا الكلام على معظم الكتل التي ستشارك في حوار بري، في المجلس النيابي الذي سيكون تحت عنوان حوار رؤساء الكتل البرلمانية، وسيكون المشهد غريباً في ساحة النجمة: رؤساء كتل برلمانية يتحاورون فيما المطلوب منهم ومن كتلهم، (تحديداً كتل الممانعة)، أن ينتقلوا بدقائق الى قاعة المجلس لتأمين النصاب وانتخاب الرئيس.