IMLebanon

لا حوار ولا رئيس في العاشرة: لعبة “الكشـاتبين” مستمرة!

 

بعدما سقطت الدعوة الى الحوار المستحيل، ستعبر الحلقة العاشرة من مسلسل جلسات الخميس الرئاسية من دون انتخاب الرئيس المنتظر. ولذلك فهو ما زال محجوباً خلف مجموعة الغيوم الملبّدة في لبنان والمنطقة، والتي لم تعطّل بعد أياً من السيناريوهات السلبية المتداولة التي تحاكي الاستحقاق الرئاسي. ولذلك، فالنتيجة واحدة. وهذا بعض من المؤشرات الى بقاء العتمة قائمة في قصر بعبدا لليوم الخامس والأربعين.

ليس صحيحاً ما يتم تداوله بأنّ رفض كتلتي نواب «لبنان القوي» و»الجمهورية القوية» هو من أدى الى تطيير طاولة الحوار التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري تحت قبة البرلمان. وان كانت الرواية الرسمية قد علّقت الاهمية على رفض هاتين الكتلتين للحوار، فإنّ هناك ما يقود الى قراءة أخرى تتحدث عن فقدان المقومات المؤدية إليه والتي لم تكتمل بعد، لا بما هو مطلوب في الداخل ولا في الخارج. ومهما تعددت الروايات التي نسجت في الساعات الماضية، فهي لم ولن ترضي سوى السذّج او المتحلقين حول الاقطاب الذين سَوّقوا للحوار على انه الطريق الوحيد لإنتاج الرئيس، والوسيلة الاقصر الى اكتمال عقد المؤسسات الدستورية بدءا من رأس الدولة وأن لا منفذ سواها.

 

وفي رأي أصحاب هذه المعادلة كثير مما يؤدي الى إعطائها الصدقية الكافية. وان هناك كثيراً مما لا تتجاهله الأوساط العليمة مما يرسم خريطة الطريق الى اسباب اخرى اكثر عمقاً أن تناول البحث الأسباب الحقيقية التي أنهَت هذه المحاولة المتكررة، والتي اعطيت اكثر مما تستحق من اهمية عند تجدد الحديث عنها. فأصحاب الدعوة يدركون أكثر من غيرهم ما أعاقها، ولذلك أحجموا عن الإعلان الرسمي عن أسباب فشل المحاولة، وجاء الجواب لمن تمنّاه بطريقة واضحة مواربة بالدعوة التي وجّهها بري الى عقد الجلسة العاشرة لانتخاب الرئيس من دون أي إشارة الى مصير دعوته الحوارية.

 

وان توسّع العارفون في شرح الاسباب غير المتداولة، وغير المعلن عنها، التي أدّت الى تعطيل الحوار لا بد من التوقف عند البعض منها ممّا يفيض عن تحميل الفريقين المسيحيين المسؤولية الكاملة عن تعطيلها. وهذه عيّنة منها:

 

– يدرك صاحب الدعوة أنه لن يستطيع تقديم أي جدول أعمال كامل ومتكامل لطاولة الحوار يرضى به الأطراف التي وافقت عليها مرفقة بالشروط المعلن عنها، ومنها التفسير النهائي المطلوب للمادة 49 من الدستور والتي باتت تشكل عائقاً – ولو كان شكلياً – أمام أي خطوة تؤدي الى الانتقال إلى مرحلة انعقاد دورة أولى تلي تلك الجلسات التي يعقدها المجلس قبل أن يقفلها رئيس المجلس بتلاوة محضرها. بمعزل عن الإصرار على تعطيل النصاب الذي يحول دون بلوغها على قاعدة «أن لا تنام بين القبور ولا تحلم بالأحلام المزعجة»، على رغم من عدم الحاجة الى تطبيق هذا التفسير التقليدي لانتفاء وجوده وفقدان أي مؤشر يمكن ان يؤدي الى انتخاب أي مرشح مطروح.

 

– يدرك صاحب الدعوة أنه لم يتزحزح بعد باسم حركة «امل» التي يمثلها ومعه «حزب الله» الطرف الثاني من الثنائية سواء سمّيت «شيعية» او «وطنية»، عن ترشيح رئيس تيار» المردة» الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية أيا كانت العقبات التي حالت دون الانتقال من مرحلة اللجوء الى «الأوراق البيض» الى مرحلة ترجمتها بـ»إسم علم»، بما يوازي إصرار الاطراف الاخرى على ترشيح ابن مدينته النائب ميشال رينه معوض – كمرشح بكل المواصفات السيادية – في مواجهة تتلاعب فيها الارقام في كل جلسة من الجلسات التسع صعودا ونزولا في السباق المستدام بينهما. وكل ذلك يجري على وقع بروز اسماء وشعارات متفرقة يتم التداول في شأنها مع كل محطة من هذه المحطات بطريقة تحولت نوعاً من المهزلة غير المقبولة.

 

– لا يمكن لأي مراقب أن يتجاهل المخاوف الناجمة من التوتر الحاصل ما بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، والذي بلغ مرحلة متقدمة. ولم تنفع التوضيحات التي اقتربت من أن تكون «مضبطة اعتذار» تقدم بها رئيس التيار جبران باسيل الاحد الماضي الى بلورة أي مخرج يُعيد الطرفين الى الالتقاء على طاولة الحوار او بعدها من اجل مواجهة مشتركة بما قد تفرضه هذه الطاولة في شأن الاستحقاق الرئاسي.

 

– لم تنضج بعض الظروف الخارجية التي تسمح بأي مقاربة ايجابية للاستحقاق الرئاسي رغم الاهمال الدولي، فرهان بعض المدعوّين الى الطاولة من طرفي النزاع بشقه الداخلي على متغيّرات تُحدث تعديلات كبرى على موازين القوى الداخلية لم ينته بعد. وهو ما قاد الى الربط بين موافقته على الحوار ووضع شروط شكلية خالية من أي عنصر جوهري ولم تخرج عن شكل الطاولة ومكان انعقادها وجدول اعمالها بطريقة لم تكن خافية على احد.

 

لهذه الأسباب وسواها، يبدو أن ما هو ثابت في شأن ما نحن فيه اليوم انّ الدعوة الى الحوار طارت ولا بديل منها سوى مسلسل الجلسات العقيمة التي لن تنتج الرئيس العتيد. وهي عملية ستستمر الى مرحلة لا يمكن قياسها من اليوم ولا وضع إطار لها الى ان تعبر الأعياد. وجُلّ ما هو منتظر في جلسة اليوم – ان اكتمل نصابها – انه لن يتجاوز عدد النواب الحاضرين النسَب التي بلغتها الجلسات السابقة ليبقى الرهان معقودا على رصد عدد الأوراق البيض للدلالة على إمكان عودة الحرارة الى العلاقات بين «الثنائي الشيعي» و»التيار البرتقالي» التي لوّثتها اسماء مركبة في الجلسة التاسعة على وَقع التهديد باحتمال طرح أسماء جديدة تنضَم الى لائحة المعتمدين لدى أكثر من فريق من تركيبة النواب التغييريين بعد تشظّي العلاقة فيما بينهم ونواب المعارضة.

 

وامام هذه الصورة الفسيفسائية الغامضة المحيطة بالاستحقاق الرئاسي المتعثّر، فإنّ ما هو متوقع بات مُملاً على مسافة ايام من دخول البلاد مدار عيدي الميلاد ورأس السنة في ظل فقدان أي خريطة طريق واضحة المعالم الى ما هو آتٍ من تطورات. وهناك مخاوف من ترددات الازمة الحكومية رغم الدعوة المتوقعة الى لقاء وزاري تشاوري يوم الجمعة المقبل، وانّ تردي الاوضاع المعيشية وما يمكن أن يقود اليه انهيار العملة الوطنية لم يشكل حتى الان هاجساً في أذهان مَن بيدهم القدرة على إخراج البلاد من النفق المظلم وان حساباتهم تنحو الى ما لا يمكن الإفصاح عنه حتى اليوم. والى اللحظة التي سيسمح فيها باكتشافها، ما على اللبنانيين سوى الانتظار على امل في ان لا تكون بعيدة المدى، فما هو مُقلق اكثر بكثير مما يريح الأعصاب طالما انّ «لعبة الكشاتبين» ما زالت مستمرة أيّاً كان عدد الضحايا والمتضررين.