في التراث اللبناني حكاية طريفة مفادها أن طفلاً، ابنَ بضع سنوات، رفض أن يأكل صحن «المجدّرة» الذي أعدّته والدته. ولمّا كانت ظروف الأسرة المتواضعة «على قدّ الحال» تعذّر توفير طبق بديل لاطعام الطفل، امّا هو فتشبّث برأيه ثابتاً على رفض المجدّرة، مرفقاً رفضه بالبكاء والزعيق الى حدّ «التفحيش» كما ورد في الرواية التراثية. وصدف ان كان كاهن الرعية مارّاً في تلك الناحية وقد استمع الى الصراخ والزعيق فتحوّل الى البيت مستفسراً ، عارضاً خدماته. وأطلعه والدا الطفل على سبب بكاء ابنهما الذي دفعه الى ان يحرن عن التهام طعامه … وبعد بضع ثوان من «حك الجبين» والتفكير بحثاً عن الحل «فتقت مع الأبونا» وقال للطفل: معك حق، وانا مثلك لا احب المجدّرة ولكنني استطيبُ المجدّرة الأميركانية، وأنت، يا ابني، ستحبها مثلي. ثم سأل الوالدة عن مكان الطنجرة فأرشدته اليها، فحمل صحن المجدّرة الذي رفض الطفل الأكل منه، وغاب دقائقَ معدودةً، ليعود ادراجه وفي يده الصحن ايّاه ويقدمه الى الطفل قائلاً له: فعلاً معك حقّ، هيدي المجدرة الأميركانية أطيب وأشهى. فأقبل الطفل (الذي كان فجوره قد غطّى على جوعٍ استبدّ به) على الصحن ليلتهم المجدرة حتى اخر حبّة .
حضرتني هذه النادرة الطريفة وأنا استمع الى معارضي «طاولة الحوار» يوافقون على الاشتراك بِها بعدما استبدل اسمَها الموفدُ الرئاسي الفرنسي جان – ايف لو دريان بـ «طاولة العمل». مع بضعة فوارق، أولها ان الطفل المشار اليه أعلاه هو، في الواقع والتأكيد، على براءة، أما الجماعة السياسية عندنا فكما يعرف القارئ. وثانيها ان «الأبونا» في القصة التراثية أكثر صدقاً من موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ليس لأنه رجل دين وحسب، انما لأنه لا يسعى الى البحث عن مصلحته الذاتية. وثالثها ان الأم والأب وكاهن الرعية يتوخون مصلحة الطفل بينما ماكرون ولودريان و «بهاميط» السياسة اللبنانيون يلهثون وراء مصالحهم (…) .