لا يخفي أحدُ أركان العهد عن محدّثيه بأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرغب في شطب الأشهر التي عبرت منذ بداية العهد لو استطاع الى ذلك سبيلاً. فإقرارُ قانون الإنتخاب الجديد هو بدايته، والمجلس النيابي الذي سيُنتجه هو الممرّ الإجباري الى حكومة العهد الأولى. لذلك لا بدّ من ورشة حوار تواكب المرحلة المقبلة وبمشارَكة الجميع بمَن فيهم الأطراف غير الممثَّلة في الحكومة. كيف ولماذا؟
قبل أن تكتمل فصول البتّ بقانون الإنتخاب الجديد الذي سيسلك طريقه في الساعات المقبلة من بعبدا الى ساحة النجمة ومنها الى «الجريدة الرسمية» في ملحق خاص قبل نهاية ولاية المجلس ليل الثلثاء المقبل، كُشف النقاب عن مبادرة جديدة سيطلقها رئيس الجمهورية في الأيام المقبلة وتتمثل بدعوة رؤساء الكتل النيابية الى لقاء في بعبدا لمواكبة هذه التطورات وتأمين مقتضياتها على كل المستويات السياسية والإجتماعية والإقتصادية ووجوه الحياة كافة توصلاً الى ترجمة توجّهات العهد ومضمون خطاب القسم.
وفي إشارة الى الأسباب الموجبة التي دفعت رئيس الجمهورية الى هذه الخطوة، يقول العارفون إنّ النصف الأول من السنة الأولى للعهد قد عبر من دون أيّ إنجاز يتعدّى التعيينات العسكرية والأمنية والإدارية وبعض المشاريع الإنشائية على رغم تعرض البعض منها للإنتقاد وما رافق بعض هذه الخطوات من مناكفات وكيد سياسي.
ويضيف هؤلاء العارفون أنه ورغم ما حصل في الأشهر الماضية وأيّاً كانت الإنطباعات السلبية التي تكوّنت نتيجة المفاوضات الصعبة التي سبقت الاتفاق على قانون الإنتخاب، فقد شكل التوصّل اليه إنجازاً هو الأقوى والأكبر، فهو بداية الطريق الى سلسلة الخطوات الدستورية الطبيعية لتشكيل مؤسسات العهد بدءاً بالمجلس النيابي الجديد المنتظَر الذي سيشكل بوابة التغيير والإنتقال الى حكومة العهد الأولى.
والى تلك المرحلة لن يبقى رئيس الجمهورية متفرِّجاً على ما يجري. فالمؤسسات الدستورية والسياسية والأمنية والقضائية والإدارية ستقوم بواجباتها. وهو سيطلق من قصر بعبدا شكلاً جديداً من أشكال الحوار أراده أن يكون على مستوى رؤساء الكتل النيابية الممثّلة في الحكومة والتي بقيت خارجها في آن. وسيدعوهم قريباً بعد الإطمئنان الى إقلاع القانون الانتخابي الجديد وترجمته بخطوات عملية دستورية وإدارية وصولاً الى إطلاق الحملات الإنتخابية التي خصّص لها الوقت الكافي أيّاً كان التوصيف الذي اكتسبه التمديد لمجلس النواب تقنياً أم إدارياً.
واستعداداً لهذه المرحلة فقد شُكِّلَ في القصر الجمهوري فريق خاص لإعداد أوراق عمل تتناول مختلف العناوين التي تضمّنها خطابُ القسم ليجعل من الحوار ورشة عمل وطنية مضبوطة الإيقاع تتناول مقتضيات المرحلة وترجمة كل ما جاء في الخطاب وخصوصاً لجهة إستكمال تنفيذ ما أُقرّ في «وثيقة الطائف» ولم يرَ النور الى اليوم.
وضمنت الترتيبات المتّخذة ما تقتضيه هذه الورشة توصّلاً الى البتّ بمشاريع قوانين وإصلاحات ضرورية على كل المستويات. وكل ذلك بهدف استعادة التوازنات الوطنية المفقودة منذ عقود وتوفير ما يعزّز العيش المشترَك بين اللبنانيين ويحقق تكافؤ الفرص أمام الجميع إنسانياً وإجتماعياً وإقتصادياً.
وعليه، فقد أظهرت التحضيرات أنّ هدف رئيس الجمهورية من الحوار هو إشراك الجميع ولاسيما منهم مَن لا يشاركون في الحكومة في إدارة المرحلة المقبلة وترجمة خطوات العهد وتوفير المخارج للقضايا العالقة بعد تذليل الظروف التي تحول دون ترجمتها، اعتقاداً منه أنه لا يمكن أن يتحقق شيء إلّا برضى وتفاهم شاملين ولا يبقي الشعور المتنامي بالغبن والظلامة اللذين يقودان الى الإحباط لدى بعض الأفرقاء.
والى أن يحين موعد هذا الحوار الذي قد ينعقد بعد رمضان، وربما في أيامه الأخيرة، فقد شارفت أوراق العمل التي ستوجَّه الدعوة على أساسها على الإنتهاء وهي بعناوين مختلفة أبرزها ما يتصل باللامركزية الإدارية، وتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس الشيوخ، والإنماء المتوازن والإستراتيجية الدفاعية، بالإضافة الى بعض العناوين الإقتصادية وعلاقات لبنان الخارجية.
ولا مشكلة إن قيل للعاملين على هذه الورشة، أنّ هذه العناوين هي نفسها شكلت جداول أعمال هيئات وطاولات الحوار التي انطلقت في 2 آذار 2006 من عين التينة وساحة النجمة وتوقفت في 29 حزيران من العام نفسه قبل ايام قليلة على حرب 12 تموز، قبل أن تُستأنف في قصر بعبدا في 16 ايلول 2009، وهذه في النهاية عناوين وهموم وطنية على اللبنانيين مقاربتها بجرأة وصلابة وصراحة وثقة متبادَلة بلا وسيط أو وصي.
وهذه العناوين لا بد من البتّ بها، مهما تطلّبت من جهد ووقت، وذلك توصّلاً الى تعزيز العلاقات بين اللبنانيين وبناء مجتمع متصالح مع ذاته لا يخفي العقد التي يمكن أن تتحوّل في مرحلة من المراحل معضلات وطنية. فخير البرّ عاجله، واليوم أفضل من الغد، ومَن لديه أيّ مخاوف أو هواجس فلتكن مطروحة علناً ولتكن ملكاً لجميع اللبنانيين لتحويلها ضوابط وضمانات وطنية متبادَلة.