Site icon IMLebanon

“تطمينات” نصرالله والحاجة إلى الضامنَين الإيراني والسعودي

 

كان لافتاً للانتباه أن تصدر عن الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله «تطمينات» إلى اللبنانيين حول جملة من العناوين التي تحوم الأسئلة حول نوايا «الحزب» حيالها، وهي تشمل مسألة استخدام السلاح في الداخل لفرض التغيير السياسي وعقدة تقديس انقلاب السابع من أيار 2008، والإكراه في الاستحقاقات الدستورية وتفريغ الحوار بالالتفاف على المعارضين واستغلال الفراغ لإخضاع اللبنانيين، وهو ما كان يحدث طيلة العقود الماضية، لكنّ نصرالله أعاد صياغة الموقف في هذه اللحظة المحلية والإقليمية والدولية الصعبة والحرِجة، وهو ما استوقف المراقبين للبحث في مدى عمق وجدية هذه «التطمينات».

 

قال نصرالله في كلمته التي ألقاها بتاريخ 16 شباط 2024: «لم نقل إننا في ضوء انتصاراتنا نريد فرض رئيس وتعديل النظام السياسي والمثالثة… المقاومة ترتبط بالدفاع عن الجنوب والمقدسات سيادة شعبنا وعزته… لم نستخدم قدراتنا العسكرية والأمنية، وبالنسبة لما حصل في 7 أيار فهو كان فقط بسبب قرار الحكومة المتعلق بسلاح الإشارة… هذا السلاح ليس لتغيير النظام السياسي في لبنان وهو لحماية كل اللبنانيين».

 

يستذكر اللبنانيون عندما دعا نصرالله إلى أن تحكم الأغلبية التي تفوز في الانتخابات ثم تراجع عن موقفه (2008) بقوله: «إنّ لبنان بلد خاص، فاذا حصل فريق المعارضة على الغالبية في مجلس النواب، فإنّ «حزب الله» يؤكد دعمه لقيام حكومة وحدة وطنية»، وأيضاً تجاوز نصرالله موقفه هذا في تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (2011) وحكومة حسان دياب (2020) عندما تجاوز التمثيل السنّي والمعارضة القائمة.

 

يستذكر اللبنانيون أيضاً تعطيل مجلس النواب عامين لفرض انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. كما لا يغيب عنهم تقديس نصرالله شخصياً للسابع من أيار يوم أعلنه «يوماً مجيداً» فمهما بلغ شأن التبريرات، فإذا كانت الحكومة قد اتخذت القرار فما شأن الطريق الجديدة وباقي بيروت لتتعرّض للاجتياح ولسقوط ما يقارب المائة من أبنائها برصاص «الحزب» وحلفائه؟

 

أمّا الحوار، فإنّ لعبة الحزب المفضّلة هي أن يحاوِر الآخرين على أساس «إقناعهم» برأيه وخياراته وهذا مسجَّل من طاولات الحوار الأولى وصولاً إلى الآن عندما يصرّ على الحوار في مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية خلافاً للدستور، وعندما يعلن الرئيس نبيه بري أنّه لا يوجد مرشّح سوى سليمان فرنجية وأنّه يدعو للحوار على انتخابه، لذلك تصبح مسألة «جهاد التبيين» التي استحضرها نصرالله بالاستناد إلى فتوى مرشد الثورة الإيرانية علي الخامنئي لشرح قضية «الحزب» وتوجهاته على جميع المستويات، محط تشكيك وتساؤل… وإن كان قد سجّل في كلامه الأخير تراجعاً عن وصف 7 أيار باليوم المجيد.

 

تبرز إشكالية إضافية إلى هذا النقاش وهي جمود «الحزب» تجاه الواقع اللبناني حتى أنّه لم يتأثّر جدياً بتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني ولم يحصل أيّ تطوّرٍ في مواقفه الداخلية أو الخارجية، وكأنّه يريد القول إنّ لبنان (الواقع تحت هيمنته في قرار السلم والحرب وفي تعطيل الحياة السياسية) معزول عن مفاعيل هذا الاتفاق تحت عنوان أنّ «الحزب» هو صاحب الرأي في لبنان بالنسبة لإيران، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن حقيقة الموقف وعن كيفية تعامل قيادته مع هذا التحوّل الكبير.

 

هل يمكن الوصول إلى حلّ الأزمة اللبنانية بحلّ الملفّ الرئاسيّ فقط ومن خلال اللجنة الخماسية؟ أم أنّ شراكة طهران متحقِّقة من خلال تواصلها مع الرياض؟ وإذا كان التواصل الإيراني – السعودي يحصل وحضر السفير الإيراني في لبنان إلى خيمة السفير وليد البخاري، فما الذي يمنع قيادة «الحزب» من أن تلحق بالسفير مجتبى أماني لترجمة اتفاق طهران والرياض؟

 

نتيجة عمق الخصومات السياسية بين «حزب الله» وباقي أفرقاء المعارضة يمكن القول إنّ الثقة مفقودة مع «الحزب»، ولن ينجح أيّ حوار أو تفاوض إلّا بوجود الضامنَين السعودي والإيراني، ولكن حتى يحصل هذا التلاقي هل يمكن أن يولَد حراكٌ مستقلٌّ يساعد على تكوين مناخ سياسيّ يسمح بنزول «الحزب» عن الشجرة والبحث في «التطمينات» الجديدة القديمة التي أطلقها نصرالله؟