إهتزَ حوار حزب الله -«المستقبل» بفِعل خطاب الرئيس فؤاد السنيورة، والردّ الواضح من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، لكنّه لم يقع. وبدا أنّ المناخات الداخلية والخارجية التي أفضَت إلى انعقاد جلسات «عين التينة» الحوارية أقوى من أيّ كلام يَصدر عن جبهة «المتضرّرين».
لن تسقط طاولة «عين التينة» الحوارية لأنّ الظروف التي أنتجَتها لا تزال قائمة وتتعَزّز السقف العالي في خطاب الرئيس السنيورة لمناسبة 14 آذار، تركَ أثراً سلبياً جداً عند قاعدة وقيادات حزب الله.
وبدا من خلال قراءة الموقف أنّ تجاهلَ الحزب لتهجّمات رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سيُفهَم ضعفاً، وسيُعَدّ تأكيداً لنظريات «جبهة المتضرّرين» بأنّه يحتاج لهذا الحوار من أجل «تغطية مقاتلته في سوريا».
لذا كان القرار بإيعاز قياديّ كبير في الحزب، بالرد على خطاب السنيورة ووضعِ النقاط على الحروف، واستيضاح موقف زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري من كلام السنيورة وغيره.
رغم أنّ قواعد الحزب مستاءَة من مواقف تيار المستقبل، وترفض هذا التواصل، لأنّه ليس «ذات جدوى»، دخلَ حزب الله الى الحوار بروحيّة ايجابية، وأوعزَ إلى مسؤوليه ونوّابه ووزرائه وسياسيّيه وإعلامييه بالانضباط ضمن الشروط والقواعد التي تفرضها طاولة الحوار. وقد لمسَ وفد الحزب في «عين التينة» إيجابية من قبَل محاوريه وجدّية في تنفيذ جدول الأعمال.
وقد بَنى على ما لمسَه من وفد «المستقبل» آمالاً سياسية متّصلة بالتهدئة وتخفيف التشنّج وتبريد الأجواء السياسية، ولكنّه فوجئ بالكلام المتفلّت الصادر عن أكثر من نائب ووزير ومسؤول، ورأى أنّ الفريق الآخر المتمثّل بقوى 14 آذار لم يوقِف حملاته الإعلامية والسياسية ولم يلتزم بمندرجات الحوار وأهمُّها التهدئة وضبط الخطاب الإعلامي.
يدرك الحزب أنّ ثمّة متضرّرين من حواره مع «المستقبل»، وربّما يدرك أكثر من غيره أنّ «إطلاق النار» على الحوار هو في مكانٍ ما استهدافٌ لمساعي الرئيس سعد الحريري بالعودة إلى لبنان ومن ثمّ العودة إلى رئاسة الحكومة. لكنّ هذا لا يعني إيجادَ أسباب تخفيفية، فكلام النائب محمّد رعد كان واضحاً لجهة رفض الاستمرار في الحوار ضمن هذا الجوّ المتشنّج والتصريحات والخطابات التوتيرية.
وبهذا المعنى يقول الحزب إنّه غير مسؤول عن التناقضات ومراكز القوى ضمن فريق «المستقبل»، فهو يعتبر أنّه يحاور كلّ «المستقبل» متمثّلاً برئيسه، وليس جزءاً من التيار بزعامة سعد الحريري، فيما جزءٌ آخر لا يزال يتصرّف على قاعدة الصراع والصِدام، وهو بالطبع برئاسة فؤاد السنيورة.
الرئيس سعد الحريري يريد من الحوار أن يمهّد له الطريق للعودة إلى رئاسة الحكومة. وثمَّة متضرّرون ضمن «المستقبل» من هذه العودة ويعرقلونها من خلال عرقلة الحوار تحت شعار «مواجهة حزب الله».
يُدرك هؤلاء أيضاً أنّ الرئيس الحريري لم يتيقَّن بعد مِن موقف الإدارة السعودية الجديدة حياله، وخوفاً من إضعاف موقفِه في الرياض والتعامل معه كواحد من الزعماء السُنّة اللبنانيين المتحالفين مع المملكة، يريد العودة رئيساً للحكومة ليفرضَ نفسَه من خلال موقعِه الرسمي ضمن المعادلة الداخلية السعودية الجديدة.
لن تسقطَ طاولة «عين التينة» الحوارية لأنّ الظروف التي أنتجَتها لا تزال قائمة وتتعَزّز. المناخ الدولي الإقليمي أمام استحقاقات كبرى متمثّلة باحتمال توقيع تفاهم بين الغرب وإيران حول ملفّها النووي. وهي خطوة ستنعكس على كلّ الإقليم وتترك أثراً سياسياً في كلّ المنطقة.
وهذا يعني أنّ الحوار سيكون ضرورةً أمام اللبنانيين لمواكبة التطوّرات الخارجية واللحاق بها. ومَن يُطلِق النار الآن إنّما يُعبّر عن ضيقٍ من كلّ المسار السياسي في الإقليم، حيث تتقدّم التسوية على منطق الصِدام وتَلوح في الأفق تغييرات كبرى ستكشف عنها الأيام القليلة المقبلة.