IMLebanon

«حوار الأربعاء».. هل يُحرّر المجلس من الاعتقال التشريعي؟

بري لمعطّلي البرلمان: «التقطوا الفرصة»!

«حوار الأربعاء».. هل يُحرّر المجلس من الاعتقال التشريعي؟

«تفعيل عمل المجلس النيابي»، هو العنوان الأساس للجولة الحوارية اليوم، والسؤال الأكثر رواجاً في المجالس السياسية: هل سيتحرّر المجلس من الاعتقال التشريعي؟

حتى الآن لا يشي الافتراق السياسي بغير السلبية، وبمزيد من التعطيل للمؤسسة التي يُفترض أنها المؤسسة الأم، ويوجد ألف سبب كي تعمل بكامل طاقتها التشريعية والرقابية، أقلّه للتصدي للقضايا الكبرى ومواكبة وابتداع روادع لمسلسل الفضائح الذي تتوالى حلقاته؛ على شبكات الإنترنت وكاميرات المراقبة في العاصمة، ومحميات الاتجار بالبشر برعاية سياسية لأفظع جريمة في تاريخ هذا البلد، وغيرها كثير من الفساد والاختلاسات والارتكابات المخجلة..

وكما نجح الرئيس نبيه بري من خلال التوافق على طاولة الحوار، في حقن الحكومة بالمنشطات وإعطائها فرصة الإقلاع من جديد، فهو يريد في «حوار الأربعاء» أن يصب مفتاح المجلس بالتفاهم والتوافق مع القوى السياسية. لكن ذلك يتطلّب معجزة أو قدرة خارقة تبرد رؤوس المعطلين وتحملهم على الإفراج عن مفتاح البرلمان الضائع في الكيدية والمزايدات السياسية.

المعطلون متحصّنون في أبراج مذهبية عالية، لم يقدّموا مبرراً مقنعاً سوى القول بعدم جواز التشريع في غياب رئيس الجمهورية. في هذا الجو، ليس أسهل من فرز الألوان السياسية داخل طاولة الحوار بين مَن هو مع التعطيل وبين مَن هو مع التفعيل، ولكن، يقول بري، إنه «سيبقى يحفر في الجبل حتى يطلع الماء»، وحوار اليوم يراه فرصة للقوى السياسية كلها لإعادة شيء من الانتظام في عمل المؤسسة التشريعية.

هنا يراهن بري أن تجد تلك الفرصة مَن يلتقطها (من فريق المعطلين)، ومن البديهي القول هنا إنه لا يريد أن يخسر الرهان والدوران في الحلقة المفرغة.

المتحمّسون لفتح المجلس يتّهمون المعطلين بأنهم لو قيض لهم ان يسحبوا التعطيل على المؤسسات الأخرى لما تأخّروا، من وجهة نظر بري أن لا مبرر سياسياً أو غير سياسي لإقفال المجلس: «تفعيل البرلمان ضرورة لا بدّ منها»، (خاصة أن شهراً قد مضى على العقد العادي الأول للمجلس في 22 آذار الماضي). ذريعة عدم جواز انعقاد المجلس للتشريع في غياب رئيس الجمهورية ليست مقنعة لبري، من هنا صرخته للمتحاورين وكل القوى السياسية أن «التقطوا الفرصة».. فما يخشى منه في حال استمرار التعطيل المجلسي هو أن ما يسري على المجلس، قد يسري على الحكومة، هنا الخطورة، ليصبح البلد أمام فراغ رئاسي وتعطيل مجلسي.. وحكومي أيضاً.. وعندها سيتمثل السؤال: كيف الخروج من هذا المأزق؟

يقول المتحمّسون لإطلاق عجلة التشريع أنه «لا يجوز في ظل الأزمة الطويلة التي يعيشها البلد أن تتوقف مؤسسة مجلس النواب عن اداء دورها الرقابي والتشريعي خاصة وان مؤسسة مجلس الوزراء المولودة سياسياً وقانونياً من رحم مؤسسة مجلس النواب، مستمرّة بعملها شبه الكامل، وآلت اليها صلاحيات الرئاسة الأولى وبالتالي كيف يجوز أن تعمل السلطة التنفيذية، وأن يجري شل مؤسسة التشريع والرقابة؟

ولكن ماذا لو وصل بري إلى حائط مسدود واصطدم بتصلّب المعطلين؟

بالتأكيد، يقول المتحمّسون، لا يستطيع بري أن يصفق وحده، لا بد لفريق التعطيل من مغادرة لغة التطييف والتمذهب، التي تجعل العقل السياسي يفكر في اتجاه ضيق، تنتفي معه أولوية عمل المؤسسات وضرورة تسيير شؤون الناس ومصالحهم التي تؤمنها مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين المعلقة على حبل التعطيل.

على أن التعطيل هو سياسي وليس قانونياً، يؤكد المتحمّسون، أطرافه مسيحيون في 8 و14 آذار ومعهم مزايدون، فقط لمجرد المزايدة، ومعهم أيضاً مَن تعهّد بألا يشارك بأية جلسة تشريعية لمجلس النواب إلا اذا كان قانون الانتخاب على رأس جدول الأعمال. وفي هذا هروب الى الأمام خاصة أن اصحاب هذا الطرح على يقين من استحالته في غياب الصيغة التوافقية للقانون الانتخابي، وها هي اللجنة النيابية التي أوكل اليها البحث في القانون الانتخابي تفشل في الوصول إلى توافق حول أيّ من الصيغ المطروحة، سواء تحت العنوان الأكثري أو النسبي أو تحت صيغة النص بنص أو غير ذلك..

الرافضون لفتح المجلس النيابي يتسلّحون بـ «فيتو مسيحي» لعدم جواز التشريع في ظل الشغور الرئاسي، ويستندون في الوقت ذاته إلى المنطق القائل بأن الدستور لم يلحظ هذا الأمر، أي انعقاد المجلس في غياب رئيس الجمهورية!

هذا المنطق يعارضه المتحمّسون الذين يعتبرون التعطيل مخالفة صريحة للدستور. النظام اللبناني قائم على فصل للسلطات، والدستور حدّد الصلاحيات بكل وضوح، وقد لحظ المشرع حالة الفراغ في سدة الرئاسة، ونص في الدستور على أنه «إذا خلت سدة الرئاسة لأية علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». وعلى هذا الأساس تحكم حكومة تمام سلام، وتقوم مقام رئيس الجمهورية حيثما يجب، سواء في إصدار القرارات أو المراسيم او غير ذلك.. إلا إذا كان هذا النص الدستوري لم يعد مقبولاً، ويراد إلغاؤه. هنا المسألة تختلف!

من الواضح هنا أن الدستور لا يفرض أية موانع امام انعقاد المجلس النيابي للتشريع، ومع ذلك ما يريده بري هو «التشريع الممكن» على قاعدة «نريد أن نأكل العنب لا ان نقتل الناطور»، وبالتالي المقاربة تشريعياً لما هو ضروري وملحّ. والطريق الى ذلك يمر أولاً بالاتفاق على تفعيل عمل المجلس، ومن ثم اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب فوراً، وإعداد جدول اعمال تشريعي بالاختيار من اقتراحات ومشاريع القوانين ما هو الأكثر أهمية وضرورة، ثم بالتدريج الى ما دون.

ما يريده بري تفاهم واسع على إطلاق عجلة التشريع، ولكن ما لم يحصل ذلك لا شيء يمنع عقد جلسة حتى بنصاب عادي، وهنا لا يرى فعالية لسلاح «الميثاقية»، الذي يخاله المعطلون حاجزاً مانعاً للتشريع بغياب مكونات معينة. «أنا أبو الميثاقية.. فلا يعلّمني إياها أحد….لا يجوز إدراج جلسات التشريع العادية في خانة الميثاقية، فهي، اي الميثاقية، ملزمة حصراً في المواضيع والامور الاساسية التي تقتضي حضور كل المكونات الاساسية للمجتمع اللبناني، مثل انتخاب رئيس الجمهورية، انتخاب رئيس مجلس النواب، قانون الانتخاب، الموازنة العامة، الجنسية وغير ذلك».

خلال زيارته بيروت سأل بعض مرافقي الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن عمل مجلس النواب؟ كان الجواب صريحاً «لا يعمل».. استغرب الفرنسيون. ونصحوا بأن تدبّ الحيوية مجدداً في البرلمان.

هنا علّق أحد النواب الظرفاء «تلك الحيوية مفقودة تماماً، وأنا من الداعين الى فتح باب المجلس سريعاً، فأنا أؤكد ان بعض النواب، وفي ظل التعطيل الدائم للمجلس قد نسوا التشريع، وأخشى إن استمر هذا الإقفال أن تتفشى الأمية التشريعية»!