على أثر التدخل العسكري الروسي في سوريا كانت هناك لحظة ارتباك من جميع الأطراف٬ بمن فيهم الروس أنفسهم٬ الجميع كان يحاول فهم أبعاد التدخل الروسي٬ بينما كانت روسيا نفسها تحاول إيجاد صيغة مقنعة٬ وتبرير منطقي للتدخل يجعلها تحظى بدعم دولي٬ اليوم يبدو أن الرؤية باتت تتشكل بشكل أوضح.
اليوم هناك الإصرار السعودي على أن لا مكان للأسد٬ ولا دور لإيران التي تعتبر جزءا من المشكلة وليس الحل٬ والجمعة الماضي قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إنه ليس هناك تقارب في الأفكار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول استمرار حكم الأسد٬ وإن الأزمة السورية يمكن أن تنتهي فقط بحل سياسي يؤدي إلى حكومة شاملة جديدة٬ وهذا هو الرأي الفرنسي والبريطاني أيضا. وإلى اللحظة لا يبدو أن هناك حوارا دبلوماسيا جادا بين الحلفاء مع الروس٬ وإنما هناك حوار مختلف يتم ملاحظته على الأرض.
الملاحظ الآن أن هناك دعما للمعارضة السورية المعتدلة بالسلاح٬ وتحديدا الجيش السوري الحر٬ ومن ينطوي تحته٬ وذلك ليس لتغيير معادلة على الأرض٬ بمعنى إسقاط الأسد٬ وإنما للحد من إعادة تمدد قواته٬ وقوات الميليشيا الشيعية التي ترسلها إيران للدفاع عنه. اليوم هناك صواريخ مضادة للدبابات باتت تعطى للمعارضة٬ وذخيرة٬ كما بات ملاحظا الخسائر التي منيت بها إيران٬ وحزب الله٬ على مستوى مقتل قيادات عسكرية بارزة في الميدان٬ وما زال مقتلهم يثير تساؤلات جادة٬ خصوصا وأنهم قيادات مؤثرة٬ وبارزة٬ ولافتة جدا عملية مقتلهم بظرف أسبوع واحد٬ ورغم نشوة الأسد وإيران وحزب الله بالتدخل الروسي!
هذا الحوار الجديد على الأرض مع روسيا واضح أنه يراد منه عدم منح الروس والأسد فرصة لتغيير المعادلة على الأرض بشكل سريع٬ كما أنه يظهر قلق الحلفاء في سوريا من تكرار تجربة أفغانستان٬ وهو الأمر الخطر حدوثه. ويبدو أن هذا الحوار العسكري على الأرض٬ هو ما دفع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إلى أن يناقض كل الطرح الروسي منذ التدخل بسوريا٬ حيث قيل وقتها إن هدف التدخل هو دحر «داعش»٬ ثم قيل لإنقاذ الأسد٬ بينما يقول ميدفيديف الآن٬ وفي حوار مع قناة تلفزيونية روسية٬ إنه «لا يهم حقيقة من يكون في الرئاسة. لا نريد أن يدير تنظيم داعش سوريا.. أليس كذلك؟ يجب أن تكون حكومة متحضرة وشرعية. هذا هو ما نحتاج أن نناقشه». وقال رئيس الوزراء الروسي ردا على سؤال حول ما إذا كانت سوريا يجب أن يحكمها الأسد٬ بقوله: «لا بالطبع لا. الأمر يرجع إلى الشعب السوري لتقرير من يكون رئيسا لسوريا.. في الوقت الحالي نعمل على أساس أن الأسد هو الرئيس الشرعي». هنا قد يقول قائل إن حديث ميدفيديف فضفاض٬ وهذا صحيح لكنه يظهر تناقض الروس٬ ويثبت أن الحوار مع الروس الآن بات على الأرض٬ وليس في أروقة القاعات.