كان الرئيس ايزنهاور يقول إن الخطط عديمة الفائدة، لكن التخطيط ضروري. وعلى هذه الطريقة يمكن القول إن الحوار، كما دلت تجربة عشر سنين، هو تمارين في العبث، لكن التحاور ضروري. فالكل يعرف أن الحوار مجرد وقت مستقطع في السجال. والمعادلة هي: حوار لا يصل الى نتيجة، وسجال لا يقود الى صدام. والوجه الآخر للمعادلة هو: لا رهان جدياً على الحوار، ولا خوف فعلياً من السجال. لكن سر القدرة على بيع الأوهام ليس شطارة السحرة بمقدار ما هو الرغبة في شراء الأوهام تحت عنوان الحوار.
ذلك أن رأسمال الحوار على المستوى الوطني هو البحث في ما يصعب التوافق عليه داخل المؤسسات، وعلى المستوى الثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله هو تخفيف الاحتقان المذهبي ومنع الانزلاق نحو الفتنة. لكن الواقع أن ما جرى التوافق عليه في الحوار الوطني بقي بلا تنفيذ، وما ظل محل خلاف هو البند الأهم على جدول الأعمال: الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله. فضلاً عن ان ما منع الانزلاق نحو الفتنة المذهبية هو الخوف منها على مواقع الطرفين المتحاورين، وانتفاء المصلحة الاقليمية قبل المحلية في توسيع الفتنة لتشمل لبنان.
وما سمي النأي بالنفس عن صراعات المحاور هو شعار نظري فوق واقع الانخراط الكامل في الصراعات. وما يكتمل به الانقسام الحاد بين قوى ٨ آذار وقوى ١٤ اذار هو تحالف الأولى مع ايران والثانية مع السعودية. وليس التصعيد الأخير في السجال بين حزب الله وتيار المستقبل سوى جزء من التصعيد الأخير في الصراع بين طهران والرياض. وهو صراع أوسع من الاعتراض الايراني على إعدام الشيخ نمر النمر والهجوم على السفارة السعودية في ايران وأعمق من قطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران.
وبكلام آخر، فإن حماية لبنان من الفتنة تتطلب تكامل عاملين: أولهما وجود هامش محلي من الاستقلالية عن حسابات الحليف الاقليمي. وثانيهما حاجة القوى الاقليمية المتصارعة في سوريا والعراق واليمن الى حد من الاستقرار في لبنان لتأمين خدمات مطلوبة لها. العامل الأول ليس كما يجب، لكن العامل الثاني شغال ومؤثر في الأول.
وليس الحوار من خارج المؤسسات سوى البديل من العجز المنظم عن العمل داخلها. فلا مبرر لشراء الوهم في الحوار لو أعطينا الأولوية لملء الشغور الرئاسي وإنهاء تعطيل العمل في المجلس النيابي ومجلس الوزراء. ولا شيء يوحي أن التركيبة السياسية مرشحة لأن تتصرف على أساس أن لبنان وطن لشعب وليس حديقة خلفية لكل قوة اقليمية.