بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان الحوار الأوّل مع «حزب الله» على قاعدة تسهيل إجراء الانتخابات النيابية، وخروج الجيش السوري من لبنان، فحقّق جملة نتائج، منها تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وافتتحت مرحلة جديدة تُوّجَت بعودة العماد ميشال عون من فرنسا، وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن، وكان ما سمّي «التحالف الرباعي».
الحوار الأوّل بَدا يومها محاولة لتأجيل الاصطدام الكبير مع «حزب الله»، ومن أجل هذا الهدف غطّى النائب وليد جنبلاط وبعض أطراف قرنة شهوان، يومها، رؤوسهم في رمال الإنجازات التي تحقّقت، فتغاضوا عن شبهات اتهام الحزب باغتيال الحريري، في اعتباره يشكّل جزءاً أساسياً وتنفيذياً من منظومة التحالف الايراني – السوري.
أتى اغتيال جبران تويني، لينسف التحالف الرباعي الهشّ، والتوازن الحكومي، فخرج جنبلاط عن صمته ومهادنته، وأيقن الجميع أنّ هذا النوع من الحوار هو مجرد تقطيع للمرحلة الطويلة، التي ستشهد لاحقاً ولادة قيصرية للمحكمة الدولية، على وقع استمرار الاغتيالات.
في الحوار الثاني الذي دعا اليه الرئيس نبيه برّي في مجلس النواب، كانت الصورة قد بدأت تتّضح أكثر. كان التحقيق في اغتيال الحريري قد توصّل الى الخيوط الاولى الاساسية، التي لم تكن قد أعلنت بعد، ومع ذلك جلس الجميع على الطاولة، ليفاجأوا بأنّ «حزب الله» نفذ عملية الخط الأزرق، وجَرَّ الحوار والمتحاورين الى مكان آخر، بدأت معالمه تتّضح أكثر بعد نهاية حرب تموز 2006، حيث تحوّلت أنظار الحزب الى وسط بيروت، ناقلاً البندقية بنحو لا لبس فيه الى الداخل، وانتهى هذا المسار بالسابع من أيار واتفاق الدوحة، وإجراء الانتخابات التي لم تحترم نتائجها، وتوّج بالانقلاب على حكومة سعد الحريري.
قبل الحوار الثالث المزمع عقده اليوم، حصلت تفاهمات موضعية، منها التفاهم على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، والتمديد الأول والثاني لمجلس النواب، وتأليف حكومة ربط النزاع، التي جلس على طاولتها المتخاصمون، كطاولة لتصريف الأعمال، ولتنفيس الاحتقان المذهبي.
قبل انطلاق الجولة الجديدة المعروفة النتائج من الحوار، لا بأس من التوقف عند الملابسات التي رافقت كلّ هذه الجولات، وهي تقريباً متشابهة، ويحكمها معيار واحد.
امّا اليوم فلا شيء تغيّر، إذ إنّ الحوار السابق انعقد في الظروف نفسها، ومعادلة التوازن القائمة التي اختلّت نسبياً لمصلحة «حزب الله» وحلفائه، لم تتحوّل انتصاراً بالضربة القاضية. وما حصل لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، يُشكّل أحد الأدلة على فشل الحزب في استيلاد مرجعية تُنافس الرئيس سعد الحريري، وكلّ ما يحصل اليوم على الأقل منذ تأليف الحكومة هو عودة للاعتراف بفشل هزّ هذه المعادلة، وما سَعي «حزب الله» إلى الحوار سوى اعتراف، ولو غير معلن، بهذا الواقع.
بصرف النظر عن طبيعة هذا الحوار وشكله، ومن سيُمثّل الطرفين، فإنّ تكرار التجربة يعكس تكرار المراوحة. البنود التي ستبحث ستبدأ عملياً بملف رئاسة الجمهورية، وقانون الانتخاب، والعلاقة السنيّة – الشيعية، وربما غيرها من القضايا.
من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان وفدا «المستقبل» و»حزب الله»، سيضمّان شخصيات تتجاوز حوار المستشارين (نادر الحريري وحسين الخليل) الى الرئيس فؤاد السنيورة والنائب محمد رعد، لكن بعض من يرتّب تفاصيل هذا الحوار يعمل على هذا الامر، ليكون أكثر من مجرد جلسات تبادل آراء، أي ليكون حواراً يشمل الملفات المطروحة، ويطمح للانتقال الى أن يكون حواراً شاملاً.
يعرف جميع الأطراف أنّ هذا الحوار لن يتجاوز في أهميته تأليف الحكومة، ومع ذلك فهم يلتقون على اعتبار أنّ الجلوس على هذه الطاولة، إن لم يؤتِ بنتائج ايجابية، فهو سيساهم بمزيد من تنفيس الاحتقان المذهبي.