على الرغم من التحرك الفرنسي الذي سيستمر في ملف الرئاسة، وعلى الرغم من الحوارات الداخلية القائمة، فإن هذا الملف لا يزال يواجه تعقيدات كبيرة خارجية وداخلية.
وتفيد مصادر ديبلوماسية، ان تأزم بعض الأمور الاقليمية لا سيما الوضع اليمني، وعدم إحراز التفاوض الغربي الايراني حول النووي تقدماً ما، والجو الذي خلقته إسرائيل من جراء ضربة القنيطرة وما تلاها من ردّ فعل لـ»حزب الله»، ومواقفه حول المعادلات، ذلك كله يؤخر الاهتمام الخارجي ثم ان هناك قيادات جديدة في المنطقة، يلزمها وقت لدراسة الموقف وانعكاساته.
ويبقى الأمل في انتظار نتائج جولات المحادثات الثنائية بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، وبين رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع، ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون. والمحادثات الثنائية ستستغرق وقتاً، وبالتالي المرحلة الحالية تعتبر وقتاً ضائعاً، لن تحصل من خلالها تطورات جدية، والمؤشرات كلها تدل على ذلك، أي انها لا تدل على أن هناك تفاهماً قريباً في شأن لبنان.
على المستوى الداخلي، أوضحت مصادر نيابية بارزة انه بعد كلام عضو المكتب السياسي في «حزب الله» محمود قماطي، بات من الواضح أن الحوار دخل في مرحلة اضاعة الوقت وان الحزب لن يقدم أي شيء جوهري، حتى أن هناك قناعة تكونت ان الحزب لا يملك القرار في الموضوع الرئاسي.
الموضوع عند إيران، وهي مسألة يفترض أن يتم التفاهم الأميركي الإيراني حولها. الأطراف في لبنان كلها تنتظر لترى ما إذا كان سيحصل تفاهم بين هذين الطرفين حول الملف النووي الايراني في نهاية آذار بحسب المهلة المعطاة لحصول تفاهم حول الخطوط العريضة. اذا حصل التفاهم فقد يدخل الوضع اللبناني في مرحلة جديدة، وتالياً ملف رئاسة الجمهورية.
ولاحظت هذه المصادر، ان المواضيع الأساسية في البلاد لا تتم مناقشتها في حوار «المستقبل» «حزب الله». والحزب يرفض البحث بها، حتى انه يرفض بحث موضوع «سرايا المقاومة» والخوض فيه. الحوار يتم بهدفين معلنين، وهدف غير معلن. الهدفان المعلنان هما: تخفيف الاحتقان السياسي والأمني وان كان تم التعاطي مع الحزب بعد عملية شبعا بالشكل الواضح الذي تم فيه حول رفض التفرد في قرار السلم والحرب، ثم ان ملف الرئاسة يبحث لكن لا يتوقع أن ينتج عن ذلك نتيجة.
أما الهدف المضمر، فهو الجهوزية اللبنانية الواجب قيامها في حال حصل تفاهم دولي اقليمي حول لبنان، ان في اطار تفاهم كبير أو تفاهم حول لبنان لاستثنائه عن ملفات المنطقة الطويلة الأمد في الحل.
وحوار «القوات» و»التيار الوطني الحر»، من الطبيعي أن يتناول ملف الرئاسة، لكن انجاز بيان اعلان النوايا، يسبق البحث بالاستحقاق الرئاسي. اذ ان الاعلان هو تصفية الماضي الأليم كله، وفتح صفحة جديدة على مرتكزات ثابتة وفقاً لمصادر قواتية. اذ لا خصام بعد الآن، والخصام يتحول الى تنافس حيث التفاوت في وجهات النظر، أو اتفاق حيث أمكن الاتفاق، وإعلان النوايا ليس ورقة تفاهم على الاطلاق، أي ان ورقة اعلان النوايا بين «القوات» و«الوطني الحر»، هي لالتزام الفريقين بالمستقبل، مع التعلم من تجارب الماضي حتى لا يتكرر، وليست ورقة تفاهم، مع العلم بحسب المصادر، ان ورقة التفاهم بين «الوطني الحر» و»حزب الله» لم تُطبق أي شيء منها، وهذا يتأكد من خلال مراجعة سريعة لبنودها. واعلان النوايا يصدر في نهاية المرحلة الأولى من المباحثات بين الطرفين والتي تحصل حالياً عبر مستشار رئيس «القوات» ملحم رياشي وأمين سر التيار النائب ابراهيم كنعان.
فرنسا وغيرها من الدول المهتمة بالشأن اللبناني، تدرك تماماً أهمية الحوار الداخلي. وباريس تدرك ايضاً ان العملية ليست سهلة. لكن في هذه المرحلة ليست لديها نصيحة أخرى، وهي تأمل أن يتفق المسيحيون من خلال الحوار على مرشح، لذلك شجعت دائماً على الحوار لأنه أفضل من المقاطعة.
والحوار بالنسبة الى الفرنسيين، وفقاً لمصادر ديبلوماسية، يجعل المتحاورين يعمدون الى بناء ثقة متبادلة، كما يتبادلون الرأي في القضايا الأساسية لا سيما الاستحقاق الرئاسي.
وتقول مصادر مطلعة، ان «القوات» و»الوطني الحر» يعتبران ان كلاً منهما يستطيع إقناع الآخر بتبنّي موقفه للرئاسة على أساس السعي لديه للارتياح لطرحه والاطمئنان الى ذلك. «التيار الوطني»، يدرك أن دولاً بارزة ترفض وصول رئيسه الى الرئاسة. كما أن «القوات» يُدرك ان إيران ترفض وصول رئيسه الى سدة الرئاسة، من الصعوبة بمكان أن يصل أي طرف مسيحي الى مرحلة يتبنى فيها ترشيح الطرف الآخر. و»القوات» يهدف من خلال الحوار الى أن يدفع عون للقبول بشخص ثالث وسطي.
إلا انه في الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله»، ليس لدى الأخير الاستقلالية التي يتمتع بها «المستقبل» في القرار، الذي تميز بالاعتدال الدائم.