لا مبرر منطقي مقبول للتفجير الانتحاري المزدوج ضد جبل محسن، اذ ليس من فعل ما، يستوجب مثل هذا الرد، ولا معطيات ما، تنبئ بتحول مقهى ابو عمران الى مصنع للعبوات الناسفة، كي نضع التفجير الدامي في خانة الهجمات الاستدراكية أو الاستباقية.
وثمة من يعتقد استنتاجاً، أن المسؤولين عن هذين التفجيرين ربما انساقوا مع ما يشاع عن سحب مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة عن القضاء العسكري بحق علي عيد، رئيس الحزب الذي يتحكم بجبل محسن، قبل تطبيق الفصل الشمالي من الخطة الأمنية في أواخر تشرين الأول الماضي بقضية تفجير المسجدين، اعتقاداً بأن سحب المذكرة يعني التراجع عن الدعوى، أو البراءة، مع ان الرجل ليس موقوفاً، ولم يحاكم بعد، علماً ان سحب المذكرة اقترن بنقل الملف من المحكمة العسكرية الى المجلس العدلي، الذي هو الهيئة القضائية الأعلى في لبنان، واحالة متهم اليه، ليس لصالحه عادة.
ويبدو ان المراجع القضائية خشيت سوء التفسير هذا، فسارعت الى اصدار مذكرة توقيف عن الجهة التي حوّل اليها الملف، اي المجلس العدلي، لكن كان قد سبق السيف العذل، وصدر القرار بتحريك الانتحاريين المحليين المولودين في حي الفقراء والمنكوبين، ومثل هذه العمليات تشبه حالة السهم الذي اذا انطلق لا مجال لاعادته…
وثمة قول آخر يضع هذه العملية المستنكرة في مصاف الضغوط المتصاعدة على الحكومة للتعجيل بمقايضة العسكريين المخطوفين بنساء قادة داعش والنصرة كما لمسؤوليهم في سجن رومية، الا ان التحليل الأرجح، في غياب المعطيات الأكيدة، هي ان ثمة تحضيرات لتصفية جيوب وحسابات على محاور القلمون السوري، وان محاولة فتح ثغرة طرابلس، غايتها اشغال الجيش اللبناني بأماكن أخرى، لاضعاف مواقفه المواجهة للجبهة القلمونية…
والدليل على منطقية هذا التحليل، يكمن في الهبّة السياسية الجامعة ضد هذه العملية الاجرامية، من ١٤ آذار قبل ٨ آذار، ومن الرئيس سعد الحريري، قبل أي مسؤول من الطرف الاخر، وقابل هذه الحملة الجامعة لاخماد الفتنة، استجابة أهل الضحايا، لنداء الصمت وتجنب ردود الفعل المتهورة، لاقتناعهم بأن الثأر والانتقام هو ما يريده الانتحاريون، وإلاّ لما فعلوا ما فعلوه بزوار المقهى البائس…
والأهم من الاستنكارات الجامعة، خصوصاً من قبل قيادات ١٤ آذار، عدم ظهور من يبرّر التفجير الحاصل أو يدعم أو يبارك أو يوزع الحلوى في الشوارع… قد يحاول البعض الغمز من قناة استمرار وجود حزب الله في سوريا، ومن تمسك الحزب بسرايا مقاومته في الداخل، كدوافع ضمنية أو مباشرة لعودة المقنبلين الى الساحة الطرابلسية، في وقت يتحدث المتحدثون عن قبول الحزب رفع الغطاء عن طفّار البقاع الشمالي وتمكين الجيش، من تحرير القوانين المأسورة، في تلك المنطقة.
مصدر نيابي قال معلقاً على تجدد الهجمات الكاميكازية، ربّ ضارّة نافعة… فمع الأسف على الدماء المهدورة بغير وجه حق، لا بد من الملاحظة بأن هذه العملية الارهابية المزدوجة عززت التضامن بين اللبنانيين وقرّبت المسافات بين المتباعدين، وشحنت الحوارات الثنائية بين تيار المستقبل وحزب الله والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بالطاقة الدافعة الى الأمام، وربما في تقدير هذا المصدر النيابي، ان ايجابيات الحوارات الدائرة، هي المستهدفة في عملية مقهى أبو عمران، بل ربما ان هذه الايجابيات، المشجعة على التفاؤل كانت بمثابة الدرع الذي وقى طرابلس بمختلف فئاتها وأحيائها، شرّ ردود الفعل الناقمة على الفعل الاجرامي الحاصل.