IMLebanon

حوارات التهدئة لا تلغي خلاف الجوهر

ادخلت الحوارات واللقاءات التي جرت بين «حزب الله» و»تيار المستقبل» وبين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، وبمواكبة حثيثة في بعض مفاصلها من الرئيس نبيه بري، البلاد في حالة من الراحة الداخلية من دون ان تسهم في معالجة مشكلات وملفات سياسية واجرائية متراكمة، لعل ابرزها التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وانجاز مشروع قانون الانتخابات وحل مشكلة آلية عمل الحكومة، عداعن انجاز الموازنة العامة.

واذا كانت هذا الملفات مترابطة ومتشابكة وحل الواحد منها يؤدي تلقائيا الى حل الملفات الاخرى، فإن ما يجري في المنطقة ما زال يحول دون انجازها، والدليل هو تناقض خطابي الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله والرئيس سعد الحريري في مقاربة ملفات المنطقة من سوريا الى البحرين فاليمن والعراق، ولو حاول الرئيس الحريري اصباغ الحياد عن ملفات المنطقة على خطابه، الا ان بيان «كتلة المستقبل» الاخير الذي صدر بعد اجتماع برئاسة الحريري، حمل موقفا من اليمن مع فريق ضد فريق، بما لا يدل على ان التيار الازرق ينأى بنفسه عن ملفات المنطقة كما يطلب من «حزب الله» الذي طالب بحل الازمة في البحرين سياسيا وتوافقيا، ولو اختلفت اسباب واهداف السيد نصر الله والحريري في مقاربة اوضاع اليمن او العراق اوسوريا.

ولعل الاختلاف الكبير ايضا في النظرة الى الازمة السورية وارتباطاتها الاقليمية الكبرى، تجعل من الصعب على اي حوار بين الطرفين، او بين الاطراف الاخرى، ان يصل الى خواتيمه النهائية الجذرية، فما زال «تيار المستقبل» يقف مع المعارضة المسلحة ويغطيها سياسيا واعلاميا ولواستطاع لساندها عسكريا… وما زال «حزب الله» يساند النظام عسكريا وسياسيا واعلاميا…

تبرّر ادبيات وخطاب بعض اركان «المستقبل»، بشكل غير مباشر، للتنظيمات الارهابية جرائمها في لبنان بحجة ان سببها هو تدخل الحزب في سوريا، وهذا وحده يكفي لمنع اي تلاقٍ فعلي بين الطرفين على الملفات الكبرى.

وتبدو المسألة معقدة اكثر بصورتها الجوهرية في الموقفين المتناقضين مما يجري في جنوب سوريا. فنظرة الحزب لخطورة مشروع اقامة «شريط حدودي» اسرائيلي شبيه بالذي كان في جنوب لبنان، ومخاطر تأثير مثل هذا الشريط الامني الذي يرعاه الإرهابيون على مناطق لبنان القريبة من الحدود السورية، وليس اقلّها محاولات ادخال انتحاريين او مقاتلين قد يرتكبون عمليات ارهابية داخل لبنان وضد الجيش او في مناطق تواجد «حزب الله» بشكل خاص.

الامر ذاته ينطبق على لقاءات «التيار الوطني الحر» مع «المستقبل» و «القوات اللبنانية»، التي لا تزال في بداية طريق التفاهم على بعض الامور الاجرائية من دون بلوغ سقف العناوين الخلافية الكبرى، وما زال كل طرف يأخذ على الاخر موقفه من الازمة السورية. لذلك يؤكد مطلعون على لقاء العماد ميشال عون والرئيس الحريري، انه موضعي النتائج، لا سيما حول الية عمل الحكومة، ولم يتناول القضايا بجذورها وعمقها، من دون ان يقللوا من اهميته كحدث سياسي يُبنى عليه مستقبلا في ترتيب تسويات معينة حول ملفات معينة، تماما كما قد يحصل في الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل».

وبرغم كل هذا التناقض الجوهري، ثمة من يرى ان وجود الرئيس الحريري في بيروت اطول فترة ممكنة، من شأنه ان يعمق اكثر حالة الهدوء السياسي ويسند الحوارات الجارية بقيمة معنوية وسياسية عالية تبقي ابواب التواصل قائمة ولو على عناوين فرعية اجرائية، بدل السجالات العقيمة، خاصة ان وجوده قريبا من امكنة الحوار يسهل معالجة بعض المصاعب او العقبات الشكلية التي قد تعترض المتحاورين.